عبد الرحمن الراشد
أخيرا، انشق مسؤول رسمي بعد نحو عشرة أشهر من ثورة الشارع على النظام السوري. محمود الحاج أحمد ليس وزيرا ولا سفيرا، مع هذا يشغل وظيفة حساسة. منصبه إلى قبل أيام هو المفتش الأول في الجهاز المركزي للرقابة المالية بمجلس الوزراء السوري، والمفتش المالي في وزارة الدفاع.
والأحاديث التي أدلى بها منذ ظهوره على وسائل الإعلام ألقت الضوء على كيفية عمل هذا النظام السري الذي يعتمد الغموض، ويخيف كبار موظفيه حتى لا يكشفوا معلومات أو يختلطوا مع الآخرين. من الذي يمول النظام، وكيف، وما حجم إمكاناته المالية الحالية، وما مدى حاجاته التمويلية، ومن يقرر، وما هي نقاط ضعفه الحالية، وما مدى صلابة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وما علاقتها ببعضها، وسيطرة القيادة عليها، وما احتمالات حدوث انقلاب أو انشقاقات عسكرية واسعة؟ وغيرها من الأسئلة المهمة التي لا نعرف إلا القليل عما يدور في داخل دمشق بسبب قبضة الأمن وسياسة الترويع التي تمارسها ضد موظفي الدولة والمرتبطين بها. من دون معلومات موثوقة تبقى تقديراتنا مجرد تخمينات مثل قولنا: إن النظام قد يسقط في الصيف أو الخريف على أبعد تقدير، فهو قد يصمد لأطول من ذلك إن كان قويا في الداخل ومدعوما ماديا وعسكريا من الخارج، وقد ينهار فجأة خلال أسابيع رغم صورته المتماسكة إن كانت هناك تشققات في داخله لا ندري عنها من الخارج. نحن نتحدث عن نظام منغلق يحكم الدولة بأجهزة أمنية وعسكرية.
ونعرف أن بعض المنشقين السوريين قد تراجعوا خلال الأسابيع القليلة الماضية عن الكشف عن أنفسهم، بما فيهم الذين فروا إلى خارج سوريا، خشية انتقام النظام من أفراد عائلاتهم. لهذا قد لا نرى وزراء أو سفراء ينشقون إلا في ساعاته الأخيرة، ويؤكد ذلك المفتش المالي المنشق أن نحو 80% من الجهاز الحكومي السوري ضد بشار الأسد، ويتمنون الانشقاق لكن الخوف يمنعهم.
وما تحدث به أحمد ألقى الضوء على بعض ما يعتري النظام المحاصر، وما يقال عن علاقاته الخارجية وتمولاته المالية والعسكرية التي توضح أن إيران تلعب دور السند، وبالتالي نحن نرى حربا شعبية ضد نظامين شرسين، الذي يجعل محور لعبة النظام السوري تقوم على المماطلة وكسب المزيد من الوقت للمزيد من الاعتقالات والتصفيات، لأن المدد الإيراني سيجعله واقفا على قدميه أكثر من تصوراتنا، وما تتحدث عنه قوى المعارضة من أرقام قتلى هي أقل بكثير من الأرقام الحقيقية التي لا تشمل ما يحدث للمعتقلين والمنشقين وغيرهم، الذين لا يعلنون عن مفقوديهم.
وبالنسبة للنظام فإن الاعتقال مثل القتل يلغي وجود الفاعلين من الساحة، وبالتالي فإن آلة القتل والقمع لن تتوقف، وهي تتستر خلف مشاريع وساطات، مثل وساطة حماس الأخيرة التي هدفها مد النظام بفترة إضافية بعد أن أصبحت مسرحية المراقبين توشك على الانتهاء. إن النظام السوري يقوم الآن بتشجيع أتباعه وأصدقائه، من المعارضة المزورة التابعة للنظام أصلا، ومن جماعات حقوقية مصرية وجزائرية، ومن قيادة حماس، لمساعدته على كسب المزيد من الوقت ومنع رفع القضية إلى مجلس الأمن، وبالتالي فإن الحل العربي يعني الإبقاء على نظام بشار، أما تدويل القضية، فيعني إسقاطه.
التعليقات