بينة الملحم

ربما كان الفوز الكاسح للإخوان المسلمين في مصر مؤشر تحوّل سياسي بالنسبة للتاريخ المصري؛ ولكنه لن يكون بالضرورة تحولاً نحو واقعٍ مختلف بمعنى المردود المدني.

في التاريخ السياسي دائماً ما يكون للحزب المضطهد قوة بعد سقوط النظام الذي اضطهده، حينها يعلو الصوت. من بين أبرز أسباب حزب الحرية والعدالة الإخواني بمصر تلك المظلومية التاريخية التي ارتبطت برموزهم، والتي كان بعضها ليس سوى تضخيم للمعاناة إذ يحاولون من خلال الضغط على laquo;المظلوميةraquo; أن يرسموا لأنفسهم خطوط حضورٍ على المدى البعيد.

بعد 84 سنة من تاريخهم يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم لكن من دون أي مغرياتٍ إدارية أو تجارب ثرية يمكنها أن تطمئن المصريين للمستقبل المنشود. الفوز السياسي شيء، والإنجاز المدني شيء آخر.

درجت الأحزاب السياسية العريقة في العالم على استخدام وسائل عملية ومدنية للوصول إلى الحكم، من بينها إقناع الناخب بالبرامج التي ستتّبع، والترويج للشخصيات التي يضمها الحزب والتي يقترح التصويت لها من أجل واقعٍ مدني أفضل ينعكس على مختلف القطاعات، أما تجربة الإخوان المسلمين في مصر فلم تكن ذات طابعٍ سياسي، كان للضخّ الأدبي الإخواني لآلام التعذيب واستعراض الحزن العلني أمام الناس في مشهدٍ درامي طويل تاريخياً كان لذلك الضخ أكبر الأثر في اقتناع الناس بهم، وفي آخر عشر سنواتٍ من حكم حسني مبارك كان الغليان الشعبي ضد النظام يستفاد منه من قبل الإخوان، لهذا تم استقطاب نجوم من السينما والصحافة والإعلام لتوظيفهم ضمن البرنامج السياسي للإخوان، فأصبحت النتيجة كالآتي:raquo;أنضم إلى الإخوان لأنني أكره النظامraquo;.

سيفتتح البرلمان المصري الجديد أعماله في 23 يناير الجاري؛ ستكون الاستحقاقات كبيرة أمامه، ذلك أن الوصول إلى الحكم وسيلة لا غاية، وحدها الأحزاب الشمولية من بعثيةٍ أو شيوعيةٍ تلك التي ترى في الوصول إلى الحكم غايةً بحد ذاتها، وهذه الوسيلة التي تمكّن الإخوان بحزبهم laquo;الحرية والعدالةraquo; ليست سهلة، بل هي مسؤولية كبيرة، لأن المجتمع وضعهم بوجه الاستحقاق التاريخي.

ثمة تجارب للإخوان المسلمين في السودان مثلاً وقد أخفقت، وأكبر الكوارث التي وقع فيها السودان الآن كانت بسبب النسخة السودانية من الإخوان المسلمين والتي لم تزل تشتغل في الحكم حتى اليوم.

في صحيفة laquo;ذي غارديانraquo; البريطانية وفي يوم الجمعة 13 يناير نشر تحقيق أعده laquo;جاك شنكرraquo; عن فوز جماعة الإخوان المسلمين بمقاعد كثيرة في الانتخابات لمجلس الشعب، اللافت في التحقيق ربطه للمستقبل السياسي المصري بمستوى السيطرة الأمنية، حيث يقول:raquo; على الرغم من أن من السهل أن تعتبر نتيجة الانتخابات المصرية نجاحا غير مستحق للإخوان، فإن الشوارع المحيطة بالبرلمان تروي قصة أكثر تعقيدا. فالمداخل الشمالية والشرقية مغلقة بحواجز ضخمة من الغرانيت وضعت بتعجل، وقد علا كلاً منها بساطٌ من الحجارة الاسمنتية والمعدن، بقايا الاشتباكات الأخيرة بين الثوار والقوات الامنية التي أدت لمقتل العشرات وجرح عدة آلاف. الرسالة هي أنه على الرغم من انتخاب البرلمان الجديد، فإن حقبة ثورة الشارع بعيدة عن خط النهايةraquo;.

المسؤولية التي يتسنمها الحزب الذي ستكون له اليد الطولى في الحكم ليست سهلة، لأن المرحلة التي تمر بها مصر تاريخية وحساسة، والفرح بالفوز لا يعني تحقيق الغايات الكبرى التي ينتظرها الشعب المصري.

ناثان براون، الخبير في الشؤون المصرية في جامعة جورج واشنطن يقول:raquo;إنه وعلى الرغم من الفوز النيابي للإخوان، لم يتضح بعد ما الذي فازوا به، الإخوان يدخلون أرضاً غير ذات حدود. في مصر 2012، على قادة الإخوان أن يجيبوا عن تساؤلات لم تطرح من قبلraquo;.. هذا هو الواقع الذي يجب على حركة الإخوان بمصر أن تفرك عينيها الدامعتين فرحاً بالنصر لتنظر إلى صعوبته.

الاقتصاد المصري في حال انهيار حقيقي كما يقول خبراء الاقتصاد بمصر نفسها، كما أن السياحة في حالة هبوط حادّ مقارنةً بحالها قبل الثورة.

الفائزون في الانتخابات يمسكون بمستقبل الدولة، والمؤسسات المصرية لم تشتغل بعد، ومجيء الإخوان إلى عصب الدولة ممثلاً بالبرلمان يعني أن اليد الأكثر تأثيراً بقيادة السفينة المصرية يد إخوانية، لدى المصريين أكثر من عشرين مليون مسيحي، ولديهم تعددية مذهبية وفكرية، هل يمكن للإخوان بكل قدراتهم أن يستوعبوا هذا الاختلاف؟ هذا سؤال أساسي لأن الأحزاب الأيديولوجية والشمولية تحاول تلقائياً إقصاء المخالفين أو تهميشهم، كما تحاول أن تجتث الأفكار المخالفة أو أن تئدها بمهدها، هكذا فعل النموذج السياسي للإخوان في السودان، وعلى الإخوان استيعاب أخطائهم الكارثية الكبيرة، وعدم تكرارها في مصر.

الفوز وسيلة للتنمية، لا غاية للابتهاج والاحتكار السياسي، والاستحقاقات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية على الإخوان ملحّة، ولا أظنّ أن المستقبل المصري المشرق سيكون بعباءة الإخوان المسلمين، بل ربما يجرب الشعب المصري عمل الإخوان، وربما نشهد خلال العقد القادم نهاية الدراما الإخوانية في تاريخ مصر، وهي الدراما الطويلة التي قاربت أحداثها ال84 عاماً..