تل ابيب


قصص التجسس والاغتيال تكون دوما أكثر تشويقا من مسار بحري بعيد ومن معطيات جافة عن نقليات النفط، ولكن سبب الحرب المحتملة بين الغرب وايران لا يختبىء في بقايا السيارة المتفجرة للعالم من المنشأة النووية في نتناز. هذا الاغتيال، باوصافه الدراماتيكية في وسائل الاعلام الاسرائيلية والعالمية، هو مجرد انفجار صغير تحول الى عبوة ناسفة هائلة. وهو يساهم في تصعيد الازمة مع ايران، ولكن القصة الحقيقية ليست في المؤامرات الاستخبارية بل في الخطوات الاستراتيجية. القصة الحقيقية للتصعيد في الاسابيع الاخيرة توجد في المياه الزرقاء والعميقة لهرمز. انبوب التنفس للاقتصاد العالمي. المكان الذي يعبر فيه كل يوم 17 مليون برميل من النفط، 20 في المائة من استهلاك النفط العالمي، 40 في المائة من النفط الذي ينقل عبر البحر. لا توجد نقطة استراتيجية أكثر لامن الطاقة العالمي، وهذه النقطة تحت تهديد خطير.
احداث عديدة تقع في وقت واحد. العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي تسفك دم الاقتصاد الايراني: العملة الايرانية ضعفت في الاشهر الاخيرة بـ 40 في المائة؛ طوابير طويلة تزداد طولا امام البنوك؛ الناس يسحبون اموالهم. البطالة الحقيقية، خلف أكاذيب النظام، تبلغ ما لا يقل عن 20 في المائة؛ الاسعار في الدولة توجد في ارتفاع دائم، والعملة التي تنتقل الى التاجر هي الدولار الامريكي، على نحو مفعم بالمفارقة. أمس، في فعل آخر من الفزع، منع النظام استخدام العملات الاجنبية في ارجاء ايران. بالمقابل فان مؤسسات وشركات دولية تقطع اتصالاتها مع شركات ايرانية، عامة وخاصة.

النظام يشعر بالاختناق

الامريكيون يعملون بنشاط وبجذرية غير مسبوقة. فهم يبعثون بوزير المالية جيتنر الى اليابان وبمبعوث خاص الى كوريا الجنوبية، ينتقلان من دولة الى دولة لخنق الايرانيين. وهم ينجحون. التخوف من الدخول الى القائمة الامريكية السوداء يخلق مقاطعة تجارية ناجعة للايرانيين. والنظام يشعر بالاختناق، وبالتوازي شهد حملة تخريب واغتيال تضعضع الاحساس بالامان على نحو جذري في الجمهورية. في نفس الوقت تتعاظم التقديرات عن هجوم اسرائيلي محتمل او عن تشديد العقوبات. هذا التدهور السريع يأتي قبل أن يجتمع الاوروبيون الاسبوع القادم للاعلان احتفاليا عن حظر النفط. منذ الثورة الاسلامية لم تكن ايران اكثر عزلة، ولم يخضع النظام الى هذا القدر من التهديد الخطير. اللعبة الان هي على المبالغ الاعلى.
فكرة اغلاق مضائق هرمز ظهرت لاول مرة قبل بضعة اسابيع. هذه الفكرة بسيطة: اذا لم يكون بوسع ايران أن تبيع النفط فان احدا لن يحصل عليه. اذا لم يسمحوا لايران بان تبيع، فان ايران ستبعث باسطولها لتمنع بيع نفط امارات الخليج، خصومها الالداء. والمعنى هو هستيريا اقتصادية: ارتفاع مجنون في اسعار النفط وجمود اقتصادي عالمي. فضلا عن القنبلة النووية، فان هذا على ما يبدو هو التهديد الاكبر الذي يمكن لايران ان تطرحه على السلام العالمي. وبمفهوم ما فان هذه مناورة لامعة. المعادلة الدائمة لوقف تطوير النووي أو العقوبات تحطمت؛ الان توجد لنا عقوبات مقابل اغلاق مضائق هرمز. 'بالنسبة لمضائق هرمز كل الخيارات على الطاولة'، لاحظ أمس بارتياح رئيس البرلمان لاريجاني. فجأة أصبح هو ايهود باراك.
بدأ هذا بمستوى ضيق. مشرع في المجلس الايراني (البرلمان) اطلق تصريحا عن اغلاق المضائق كبالون اختبار. في الغرب هزئوا. بدا هذا في البداية كزلة لسان لمحفل صغير ومتزلف من النظام؛ واذا ما وازينا هذا معنا، فهو مثابة تهديد فارغ يطلقه جلعاد اردان او باينا كورشنبوم لاغراض انتخابات حزبية داخلية. ولكن الاسواق العالمية ردت على الفور وبعنف. أسعار النفط قفزت. ولا يهم اذا كانت طهران درست الفكرة من خلال اطلاقها الى الهواء أم تبنتها بعد رد الفعل المؤثر من الاسواق. ما يهم هو أنه في غضون وقت قصير تبنت الجمهورية الاسلامية مفهوما جديدا لمعالجة الازمة النووية. اقتباس عن عضو برلمان ما أصبح شعارا، وربما استراتيجية: في 27 كانون الاول قال نائب الرئيس رحيمي انه 'اذا كانت عقوبات على ايران، فان قطرة نفط واحدة لن تمر في هرمز'. في 28 كانون الاول أعلن قائد سلاح البحرية الايراني بان 'لايران سيطرة مطلقة على المضائق، واغلاقها سيكون سهلا جدا'.
وكان الرد الامريكي سريعا: فقد أعلن الاسطول الخامس، بشكل استثنائي بانه لن 'يحتمل' أي تشويش للمواصلات البحرية في مضائق هرمز. في 2 كانون الثاني شرع سلاح البحرية الايراني بمناورة واسعة في الخليج الفارسي وفي المضائق، وحسين سلامي، المسؤول الكبير في الحرس الثوري، عقب باستخفاف على التهديدات الامريكية. وباء التهديدات هذا أخذ في التصاعد، وعمليا يتصاعد ايضا في الايام الاخيرة. أمس فقط تحدث ثلاثة مسؤولية ايرانيين في موضوع اغلاق مضائق هرمز. 'سنعمل لتحقيق مصالحنا القومية'، قال المستشار العسكري للزعيم الروحي. في نهاية الاسبوع الماضي أعلنت هيلاري كلينتون بصوتها ان اغلاق المضائق هو 'خط احمر'، ويوم الجمعة أوضح رئيس الوزراء البريطاني بان 'العالم سيتجند' ولن يسمح للمضائق بان تبقى مغلقة. في منتصف الاسبوع الماضي بعثت الولايات المتحدة برسالة الى الايرانيين، ولا سيما الى الزعيم الروحي خمينئي. ولايضاح مدى الحاحها والتأكد من وصولها، نقلت عبر ثلاث قنوات: عبر الامم المتحدة، عبر الرئيس العراقي وعبر السفارة السويسرية في طهران التي تمثل المصالح الامريكية. الرسالة، اغلب الظن، كانت تهديدا انذاريا. ايضاحا للايرانيين الا يخطئوا في فهم نوايا اوباما. اذا ما اغلقت المضائق فحرب.
الامريكيون متحمسون جدا لان يشرحوا هذا للايرانيين المرة تلو الاخرى. حتى لو اضطروا الى أن يبعثوا ثلاث رسائل عبر ثلاثة مبعوثين وأن يطلقوا المرة تلو الاخرى بانيتا وكلينتون الى وسائل الاعلام.
السبب بسيط ومخيف جدا. الامريكيون لا يفهمون اذا كان الايرانيون يفهمونهم. الكلمات الاساس هنا هي 'تهديد مصداق'. ليس واضحا للغرب اذا كان الايرانيون حقا كفيلين باغلاق المضائق أم انهم فقط يطلقون تهديدات فارغة. ليس واضحا لايران اذا كانت أمريكا جدية. عمليا نحن لا نعرف ما هو الواضح لهم وما هو غير الواضح. وهكذا، بالضبط، ينشأ سوء التقدير. هكذا ينشأ تصعيد غير متوقع. خطأ يؤدي الى رد فعل يتلوه تصعيد آخر وفي النهاية حرب.
الامريكيون دخلوا الى حالة ضغط
الى داخل هذا الفراغ المتوتر دخل فجأة الاغتيال في طهران والخوف المستمر من هجوم اسرائيلي لا ينسق مع واشنطن.
الامريكيون، حسب ردود فعلهم، دخلوا في حالة ضغط. فقد فعلوا شيئا نادرا للغاية: أوضحوا للايرانيين بان المغتالين في طهران ليسا منهم. بل ان وزير الدفاع الامريكي شجب، وقال موبخا ان 'هذا ليس نوع الامور التي تفعلها امريكا'.
بالتوازي الغيت المناورة المشتركة بين اسرائيل والولايات المتحدة، ورفعت درجة الحراسة للقواعد العسكرية الامريكية في الخليج الفارسي. اوباما تحدث مع نتنياهو ونقلت رسائل، استهدفت أيضا الاذان الايرانية وبموجبها فان البيت الابيض ليس معنيا بهجوم احادي الجانب من سلاح الجو الاسرائيلي. وهنا جاء، بشكل عام، المقطع المؤكد، المشجع: الرسائل استقبلت، التوتر تبدد. لا يمكن كتابة هذا المقطع لانه لم يحصل بعد. ولكن يوجد فيل جديد في الغرفة، وهو يسمى مضائق هرمز. وهو يقلق العالم في هذه اللحظة ليس أقل، بل وربما أكثر، من قنبلة ايرانية. قد لا يكون فيلا في واقع الامر. عنزة. عنزة ايرانية.

معاريف