سمير عطا الله


لم تنشأ الولايات المتحدة كي تكون دولة مهاجرين، كما هو شائع. العكس تماما. ظلت تحاول، عقدا بعد عقد، إغلاق حدودها العريضة في وجه جميع الناس، حتى laquo;الأوروبيين الفقراء والجهلةraquo;. وقد رفض مجلس الشيوخ التصديق حتى على معاهدة عصبة الأمم. وفي عشرينات القرن الماضي نظمت مجموعة من القوانين حصص الهجرة على نحو عرقي laquo;من أجل وضع حد لقبول الأعراق من دون تمييز وللحؤول دون ذوبان المؤسسات الأميركية الراقية في الدم الأجنبي المتدفق. ويجب الحذر من خطر غير الأميركي القذر واليهود غير القابلين للاندماجraquo;.

لكن تحول أميركا إلى دولة كبرى أرغمها على فتح أبوابها شيئا فشيئا حتى بلغ عدد المهاجرين في بعض الأعوام 20 مليون شخص. وبعد ركود العشرينات حدثت في الأربعينات فورة اقتصادية مذهلة بلغ معها حجم الاحتياطي من الذهب 20 مليار دولار، أي ثلثا الاحتياط العالمي. وبعد الحرب قدمت واشنطن 13 مليار دولار مساعدات لإنهاض أوروبا من الركام، بينما عبأت قوات مسلحة من 12 مليون جندي. وضمت القوات البحرية 1200 سفينة حربية.

يهاجر إلى أميركا الآن نحو 70 ألف هندي كل عام. وتفيض بالمهاجرين الاقتحاميين من المكسيك. ويأتيها عشرات الألوف من العرب والأفغان والباكستانيين والكوريين والأفارقة. ولم يعد في إمكان أي قوانين أن تنظم حركة الهجرة أو تغير معالم أميركا، التي كانت في الماضي laquo;أرض البروتستانت البيضraquo;. وفي العالم 1947 وجهت دعوة رسمية إلى وزير زراعة هايتي، فلما وصل مع وفده اكتشف أن ما من فندق يقبل laquo;نزول السودraquo;.

يعتقد أن الصراع المقبل في العالم سوف يكون صراع مهاجرين، ولو بنسب مختلفة. ففي إسبانيا سمحت الوحدة الأوروبية بوصول 700 ألف مهاجر روماني يشكلون عبئا اجتماعيا واضحا، كما يشكل بعضهم خطرا مسلكيا يقض مضاجع الناس. وقد نشر الغجر في مدن أوروبا مظاهر الاستعطاء الإلحاحي الذي يمنعه القانون والعادات. وتقف الحكومات عاجزة في وجه هذه الموجة بسبب اعتراضات منظمات الحقوق الاجتماعية.

فوجئت ببعض الحنين إلى زمن فرانكو في إسبانيا. ولم يعد مفاجئا تقدم اليمين الفرنسي وابنة لوبن التي حلت مكانه في مقعد العنصرية. وتبدو مسألة الهجرة في بداياتها، لا في ذروتها. فالعالم من ناحية يزداد تقاربا وتفاعلا، ومن ناحية أخرى يزداد حشوا بالقنابل البشرية الموقوتة.