آن ماري سلوتر


إن الغرب وإيران يلعبان بالنار، فعلى مدى الأيام العشرة الماضية، هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز وحذرت الولايات المتحدة من مغبة العودة إلى إرسال حاملة طائرات إلى الخليج العربي، وكما كان متوقعاً ردت الولايات المتحدة بأن حاملات طائراتها سوف تطوف البحار كلما لزم الأمر لتعزيز حرية الملاحة، ثم أعلنت إيران اعتزامها إجراء مناورات بحرية في المضيق.
في لعبة ldquo;من يجبن أولاrdquo;، يتنافس شخصان على قيادة كل منهما لسيارته بسرعة بالغة باتجاه سيارة الآخر؛ وفي هذه اللعبة إما أن ldquo;يجبنrdquo; أحد السائقين وينحرف عن الطريق وإما أن يقع اصطدام مروع في كرة من اللهب. ولا يجوز للحكومات حول العالم أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد هذه اللعبة تُمارَس على طول شريان الحياة الذي يمد العالم بالطاقة. فالآن حان الوقت لكي تتقدم أطراف ثالثة لطرح الحلول الكفيلة بالسماح لإيران بحفظ ماء وجهها والحد من إمداداتها من اليورانيوم المخصب في نفس الوقت.
ربما تخطط إيران، أو لا تخطط، لسلوك مسار إنتاج الأسلحة النووية حتى النهاية، بيد أن ممارساتها تشكل انتهاكاً واضحاً لتعهداتها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، على النحو الذي تحدده الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المكلفة بمراقبة الالتزام ببنود المعاهدة، ولا شك أن استمرارها في عدم الالتزام من شأنه أن يزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، ناهيك عما قد يترتب على هذا من تعريض الأمن العالمي لعواقب خطيرة.
ورغم أن الحكومة الإيرانية قد ترتدع في الأرجح عن استخدام الأسلحة النووية، فإن ثمن إيران النووية قد يكون انطلاق سباق تسلح إقليمي، فقد تبدأ السعودية بمحاولة امتلاك السلاح النووي ثم تتبعها تركيا ومصر، ولا شك أن وجود الأسلحة النووية ومكوناتها والمواد المستخدمة في تصنيعها في منطقة تتسم بالفعل بالتقلب والعنف، وتحدد أسعار النفط العالمية، يُعَد سيناريو مروعا، ولقد تحسبت الأسواق بالفعل لتوترات الأسبوع الماضي، بدفع أسعار بعض عقود النفط إلى أعلى مستوياتها في ثمانية أشهر.
ولم تسفر محاولة إرغام إيران على التراجع بتصعيد العقوبات بشكل مضطرد عن نتائج ملموسة، فعلى الرغم من إحكام الخناق الاقتصادي- العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عل كل الشركات التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني، واعتزام الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الصادرات الإيرانية من النفط بحلول نهاية يناير- فإن العديد من الخبراء النوويين يقدرون الآن أن إيران أصبحت قريبة للغاية من تخصيب القدر الكافي من اليورانيوم لتصنيع القنبلة النووية.
ولكن كيف بغير هذا السبيل قد تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من توضيح حقيقة مفادها أن ldquo;المجتمع الدوليrdquo; جاد فيما يقول؟ إن تبني اللين الآن يعني فقدان كل المصداقية ليس فقط فيما يتصل بإيران، بل أيضاً فيما يتصل بأي دولة أخرى تفكر في سلوك مسار نووي.
وهو منطق مقنع بالقدر الكافي، إلا أن المسار الحالي لا يترك أمام الحكومة الإيرانية بديلاً بين التراجع علنا، وهو ما لن تفعله، أو تصعيد استفزازاتها، وأي حكومة تلك التي قد ترغب في الظهور بمظهر ldquo;الجبانrdquo; على أي حال؟ وفي حالتنا هذه فإن صناع القرار السياسي على الجانبين يواجهون خصوماً داخليين على أتم استعداد للانقضاض عند أقل بادرة ضعف.
ففي الولايات المتحدة، أعلن مِت رومني، المرشح الرئاسي الرئيسي عن الحزب الجمهوري لانتخابات هذا العام، في مناقشة جرت أخيرا: ldquo;إذا انتخبتموني رئيساً فإن إيران لن تمتلك السلاح النوويrdquo;. كما قال منافسه الرئيسي ريك سانتوروم في حديث لشبكة إن بي سي الإخبارية إنه سوف يصدر أوامره بشن ضربات جوية إذا بات من الواضح أن إيران على وشك الحصول على الأسلحة النووية. لذا فإن هذا ليس الوقت المناسب للتردد وعدم الحسم من جانب الرئيس باراك أوباما.
إن قراءة السياسة الإيرانية مهمة بالغة الصعوبة، فمن المرجح في إطار الصراع الدائر على السلطة بين الرئيس محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي أن يحاول كل منهما تبني موقف أكثر صرامة من الآخر، أي أنهما لن يقترحا تقديم أي تنازلات للغرب في كل الأحوال، فضلاً عن ذلك فإن العديد من المحللين الإيرانيين يشيرون إلى أن خامنئي والدائرة المقربة منه على اقتناع بأن الولايات المتحدة عازمة في نهاية المطاف على تغيير النظام، وقادرة على استخدام القوة لتحقيق هذه الغاية. وعلى هذا فإن التجارب الصاروخية الإيرانية، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز، والإعلانات عن تقدم البرنامج النووي، لابد أن تُقرأ باعتبارها جهوداً رامية إلى الردع وليس الاستفزاز.
وكلما تبنى الغرب موقفاً أكثر علانية في تهديد إيران، كانت مهمة زعماء إيران أسهل في تصوير أميركا كشيطان أكبر في نظر بعض الشرائح من الشعب الإيراني التي أظهرت في الآونة الأخيرة ميلاً إلى اعتبار الولايات المتحدة صديقة. والتأثير الصافي لهذا يتلخص في دفع إيران إلى الإسراع على مسار الاصطدام.
لقد حان الوقت الآن لتقدم أصحاب العقول الرزينة باستراتيجية مقترحة من شأنها أن تساعد إيران على التراجع، واللاعبان الرئيسان هنا هما البرازيل وتركيا، اللذان تفاوضت حكومتاهما على صفقة سيئة التوقيت في مايو 2011، تنقل إيران بمقتضاها 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى تركيا في مقابل 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المتوسط التخصيب اللازم لإجراء البحوث الطبية في مفاعل بطهران.
وسرعان ما انهارت هذه الصفقة، ولكن لعل الوقت الآن مناسباً لبذل محاولة أخرى، فالمسرح مجهز بالفعل في تركيا، التي وافقت في السادس من يناير على استضافة جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة الخمسة + واحد (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة + ألمانيا).
وربما تذهب الصفقة الجديدة إلى ما هو أبعد من المقايضة المقترحة في مايو 2011، ولكن هناك احتمالات أخرى. على سبيل المثال، إضافة مصر وقطر إلى المعادلة والاستعانة بالأمم المتحدة لتوفير مظلة لإنشاء بنك إقليمي مقترح للوقود النووي، على أن تكون إيران أول المساهمين في هذا البنك، ومن الممكن أيضاً إدخال كوريا الجنوبية (أحد كبار المستهلكين للنفط الإيراني) وروسيا إلى المعادلة، للبدء باستكشاف الخيارات المتاحة لبنك الوقود العالمي. هذا إلى جانب ضمان تأكيد كل بلدان المنطقة على التزامها بالقواعد الأساسية فيما يتصل بحرية الملاحة على النحو الذي يسمح لها بإثبات سلامة مواقفها.
حيثما وجدت الإرادة السياسة للسماح للطرف الآخر بالحيز الكافي للتوصل إلى اتفاق، فإن الحلول الخلاقة سوف تتوافر، ورغم هذا فإن الدبلوماسيين يعرفون أن الحرب قد تكون أفضل من المهانة، ولهذا السبب فإن حفظ ماء الوجه لا يقل أهمية عن قوة التهديد، ولنفس السبب يتعين على الدول الأخرى أن تتقدم لتوفير الحيز الذي يحتاج إليه الطرفان لتفادي الاصطدام وجهاً لوجه.
* مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقا (2009-2011)، وأستاذة السياسات والشؤون الدولية في جامعة برينستون.


laquo;بروجيكت سنديكيتraquo;