يعقوب أحمد الشراح

منذ العهد الملكي في العراق وحتى تحرير العراق من نظام صدام وزمرته لم تكن الطائفية تلعب دورا فعليا في السياسة او لها تأثيرات حادة على الساحة العراقية رغم ان العراق يتألف من اطياف اجتماعية وعرقية متعددة تعايشت مع بعضها البعض على مر السنوات. لقد كانت مشكلة العراق منذ الحكم الملكي سياسية بالدرجة الاولى حيث الانقلابات على السلطة والتقاتل على الحكم، واخضاع مؤسسة الدولة للرأي الواحد او حكم الفرد الذي يخضع له كل المجتمع، وهناك من يرى ان الاستبدادية وحكم الفرد الواحد له دور في اخماد نار الطائفية المتخفية تحت الرماد واستعدادها للاندلاع متى ما اتيحت لها الظروف.
هذه الظروف يبدو انها متاحة اليوم بعد تحرير العراق بدليل سيطرة النفس الطائفي وتقاتل الاطياف، وخصوصا الحرب بين السنة والشيعة، وازدراء كل طائفة للأخرى، مع امتداد اشكال العنف والتفجيرات الكثيرة التي مازالت مستمرة في غالبية المدن متسببة في قتل المدنيين والابرياء من الطائفتين، ويلاحظ ان من اكثر العوامل المؤججة للحرب الطائفية دخول الارهابيين والمرتزقة الى العراق مثل القاعدة ومنظمات الجهاد الإسلامي والمندسين من بقايا البعث والتي تمارس نشاطات الخطف والتفجير والتدمير، كما ان الاختلاف السياسي بين قيادات المراجع الاسلامية وخصوصا المجاميع والاحزاب تشكل اطارا مفعلا ومؤثرا في الحالة الطائفية التي تحتاج في هذه المرحلة بالذات، وبعد خروج القوات الاميركية، مراجعة كاملة لأوضاعها من اجل حاجة العراق الى وحدة وطنية بعيدة عن الانقسامات والمواجهات.
هناك من يرى ان العراق مقبل على حرب اهلية دامية بين السنة والشيعة تعود لعوامل مختلفة ابرزها التدخلات الخارجية وضعف تماسك الجبهة الداخلية، وحالة الفوضى السائدة، خصوصا في تردي الخدمات وغياب العدالة والقانون وقد نبهت اميركا بعد خروجها بيوم واحد الى ضرورة توحد العراق وعدم الانجراف نحو الحرب الاهلية المدمرة بعد اتهام نائب رئيس الجمهورية بأنه ضالع في التفجيرات والمطالبة بإحالته الى الجهات القضائية، كذلك اتهام نواب الرئيس السنة بأن رئيس الوزراء نوري المالكي يستخدم الورقة الطائفية في ادارته للحكومة.
لا شك ان المرحلة المقبلة ستكون مفصلية اما لعراق حر يحترم وجوده في التجمع العالمي التواق للسلام والتعاون او عراق ينجرف في اتجاه المزالق والانهيار اكثر مما عانى في تاريخه الطويل الحافل بالصراعات الدموية، فلا ينبغي ان تندلع نيران الازمة السياسية بعدما كانت خامدة تحت رماد الوجود الاميركي، فالعودة الى التسلط وحكم الفرد في العراق ستؤدي بلا شك الى نشوب التقاتل بين الاقطاب السياسية والدينية والمذهبية، خصوصا وان اميركا لا تريد العودة الى العراق بعد خروجها لكن يهمها استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة.
ان العراق مهم لنا لأنه جار تربطنا به روابط كثيرة، وما يحدث له من منافع واضرار انما هي منافع واضرار تلحق بنا، لذلك نتمنى ان يسود العراق السلام والوئام والابتعاد عن اي مكروه، خصوصا وان المرحلة المقبلة لها اهمية بالغة ليس فقط في ارساء دعائم الأمن والسلام في العراق، وانما ايضا التعامل مع التأثيرات الامنية والسياسية والاقتصادية المتوقعة، خصوصا وان العراق يشكل ضلعا من اضلاع مثلث مضطرب يشمل ايران وسورية يعيش ازمات وظروفا متباينة، واوضاعا داخلية غير مستقرة