امين قمورية

جريئة هي المبادرة التي اطلقها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاخير بالقاهرة . وحبذا لو، كان الرئيس بشار الاسد هو المبادر الى اطلاق مثل هذا الحل في خطابه بجامعة دمشق. فلو جاءت هذه المبادرة على لسانه لسجل سابقة بين الرؤساء العرب تحسب له بأنه القائد العربي الوحيد الذي قام بثورة من فوق، ولوفّر على سوريا شر المؤامرات الفعلية والارهاب المتربص بها.
لو فعل لأعاد الى سوريا ممانعتها وقوتها واستقرارها. لكنه، ويا للاسف، لم يفعل ولن يفعل، ولن يدير حتى اذنه للاقتراح العربي او يقبل بسماعه. فقراره سبق له ان اتخذه وسمعه القاصي والداني في حرم الجامعة: quot;يحيا الحل الامني خيارا وحيداquot;، وquot;علي وعلى اعدائيquot;.
اثبتت تجارب الثورات العربية انه في الدول حيث الانقسامات العمودية متجذرة وعميقة، لا يمكن الثورة ان تنجح، الا اذا كانت وطنية الطابع، وعندما تخسر الانتفاضة هذه الصفة تتحول مشروع فتنة واقتتال أهلي.
واذا كان جذر التحرك في سوريا مطلبياً وطنياً، فان اسبابا كثيرة جعلت الطائفي يطغى على الوطني والخاص يطغى على العام . ومع التحول التدريجي للعمل المعارض من تحرك سلمي وطني يحمل قضايا الناس، الى عمل عسكري ميليشيوي احادي الطابع والمكون يأخذ طابع الانتقام والانتقام المضاد، تدخل سوريا نفقا مظلما لايتمناه لها اي حريص على هذا البلد.
في مثل هذه الدول ، لابد من تسويات تاريخية بين المكونات تجنبا لشر الحرب الاهلية وتدمير الدولة والبلاد، تسويات تضمن لكل مكونات الوطن فرصا متساوية للمشاركة في السلطة واتخاذ القرار وصنع المستقبل. لكن احدًا لم يبادر الى طرح تسويات كهذه، واذا بالازمة تتحول مشكلة معقدة ومتشابكة يتداخل فيها المحلي والخارجي الامر الذي ادخل حصان طروادة الى القلب السوري وجعله مريضا يحتاج الى جراحة للشفاء.
لا شفاء لسوريا، الا بتقديم تنازلات كبيرة من الحرصاء عليها ولو على حسابهم الشخصي، ولا خروج لسوريا من هذه المحنة الا بابعاد المتطرفين من كلا طرفي المعادلة الداخلية عن رسم المستقبل، ولا حل الا بتوافق جميع المكونات السورية على برنامج موحد يحفظ للجميع حقهم في المواطنة ويساوي بينهم.
سيادة الرئيس، يسواك ما يسوى الرئيس اليمني فاقبل بما قبل به. ويا بروفسور برهان غليون عد الى جامعتك الباريسية فطلابك في الانتظار لسماع تجربتك الجديدة، ذلك ان مجلسك الوطني فشل في توحيد المعارضين ولم يفلح في اعطاء صورة البديل الديموقراطي.
سيادة الرئيس، حضرة البروفسور... ارحلا وجنّبا سوريا الكأس المرّة.