وحيد عبدالمجيد

لا تخفي الأهمية الخاصة جدا لزيارة وفد مصري برئاسة المشير حسين طنطاوي إلي ليبيا الأسبوع الماضي لبحث العلاقات الثنائيةrlm;,rlm; التي بدا مستقبلها معلقا في الهواء بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي نتيجة ثورة اتخذت القاهرة موقفا وسطيا تجاههاrlm;,rlm; فلم تؤيدها صراحة ولكنها لم تقف ضدهاrlm;.rlm;


وإذا كان موقف وسطي لم يخل من تعاطف مع الثورة الليبية عن بعد جعل مستقبل العلاقات معلقا إلي أن أعادت محادثات الأسبوع الماضي الأمل في الارتقاء بها, فما بالنا بما يمكن أن يترتب علي موقف أقل وسطية تجاه الثورة السورية إذا نجحت في تغيير النظام في دمشق؟
لعل هذا السؤال هو من بين الأسئلة الأساسية التي يصح أن توضع علي جدول أعمال سياسة مصر الخارجية ضمن تقييم حالة العلاقات مع ليبيا, إذا أردنا أن يكون استخلاص الدروس من تجاربنا هو أحد معالم طريقنا إلي المستقبل. فالسؤال عن الموقف المصري تجاه الثورة السورية مثار منذ أسابيع علي الأقل. فبعد أن دخلت هذه الثورة شهرها الحادي عشر, وروت دماء الشهداء الكثير من أراضي البلد الحبيب إلي قلب كل عربي, بات صعبا أن تعاد الأوضاع إلي ما كانت عليه يوم 14 مارس 2011 عشية بدء التحرك الأول الذي فجر الثورة, عندما نظمت مظاهرات احتجاجا علي تعذيب أطفال في مدرسة ابتدائية وقلع أظافرهم لأن ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة العربية ألهمهم كتابة بضع شعارات بريئة ولكنها عميقة علي جدران مدرستهم.
ولذلك آن الأوان لأن نقف وقفة تأمل وتقييم ومراجعة لسياستنا, التي تبدو أقرب للانحياز إلي النظام السوري, بالرغم من عدم اتخاذ موقف ضد الثورة, وأن نستخلص الدرس من تجربتنا مع ما حدث في ليبيا, والجهد الهائل الذي بذل وسيبذل من أجل إزالة ما بقي من مرارة لدي هذا الطرف أو ذاك في جارتنا الغربية. وربما يساعد في إنجاز هذه المراجعة أن التعقيدات التي حالت دون اتخاذ موقف واضح مع الثورة الليبية ليست قائمة في حالة سوريا. فقد كان هناك عامل جوهري جعل تأييد الثورة الليبية صعبا, وهو وجود أعداد كبيرة من المصريين العاملين في مختلف مناطق ليبيا عند اندلاع الثورة. ولذلك كان الحرص علي استمرار خط مفتوح مع نظام القذافي ضروريا للمحافظة علي سلامتهم. ولا ننسي أن هذا الالتزام الطبيعي من جانب أية دولة تجاه جزء من شعبها كبل حركة تركيا بالرغم من أنها أكثر دول الشرق الأوسط ديناميكية في سياستها الخارجية. فهذه الدولة, التي لا يعطل حركتها الدائبة شيء, اتخذت موقفا مترددا لأكثر من شهرين بسبب العمالة التركية في ليبيا. ولكن هذه العمالة كانت أقل بكثير مقارنة بحالة مصر. ولذلك تمكنت تركيا من إعادتها بسرعة في أكبر عملية نقل لمواطنيها من المخارج في تاريخها.
ولأن هذا القيد الموضوعي ليس موجودا في حالة سوريا, فالمفترض أن يكون اتخاذ موقف أكثر اقترابا من الثورة فيها أقل صعوبة. وقد يقال هنا, وهو قول حق, أنه لا يوجد ما يضمن انتصار الثورة السورية أو حتي حدوث تغيير كبير أو ملموس في النظام الحالي في إطار حل سلمي. ولكن الوضع في ليبيا كان كذلك لفترة طويلة. ولم يمنع السياسة الخارجية المصرية من اتخاذ موقف وسطي أفضل من ذلك الذي تتبناه حتي الآن تجاه الثورة السورية.
فلم يكن هناك يقين لفترة طويلة بشأن إمكان انتصار الثورة الليبية, بل كان ثمة اعتقاد قوي لدي فريق يعتد به من الخبراء العسكريين في صعوبة انتصار الثوار الذين لم يتمكنوا من الصمود في البداية إلا بفعل ضربات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الجوية, بعد أن كانت هزيمتهم وشيكة قبل التدخل الدولي. ومع ذلك, وبالرغم من حساسية موقف القاهرة بسبب أبنائها العاملين في ليبيا, اتخذت السياسة الخارجية المصرية موقفا أقوي وأفضل مقارنة بذلك الذي لم يعد لائقا تجاه الثورة السورية. فقد حرصت مصر علي مد الجسور مع قوي الثورة الليبية دون أن تقطعها مع نظام القذافي, وأعلنت أنها مع حق الشعوب في اختيار مستقبلها وأنها تتفهم دواعي التغيير المشروعة مع رفض التدخل الأجنبي. كما اتخذت مواقف عملية لا يمكن إلا أن يكون لها تأثيرها في تيسير بناء علاقات جديدة قوية مع ليبيا وإزالة المرارة الباقية من جراء عدم تجاوز هذه المواقف سقفا معينا تعتبره بعض قوي الثورة هناك منخفضا.
رفضت مصر, مثلا, طلب القذافي المتكرر لغلق الحدود بين البلدين, الأمر الذي ساهم في دعم الثورة في أكثر أوقاتها حرجا. كما رفض المشير طنطاوي استقبال وفد يمثل نظام القذافي برئاسة رئيس هيئة الإمداد والتمويل بالقوات المسلحة في 9 مارس 2011, في الوقت الذي فتحت أبوابه أمام زيارات بلا حصر قام بها مبعوثون غير رسميين للثورة الليبية بمن فيهم بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي. وبالرغم من عدم اعتراف مصر رسميا بهذا المجلس حتي انتصار الثورة, فقد سمحت بوجود ممثل له في القاهرة وبإرسال مبعوثين منه بشكل متكرر للتواصل مع أحزاب وقوي سياسية وحركات شبابية عدة. وأعلن بعض هذه القوي اعترافه بالمجلس ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الليبي. وأكثر من ذلك, فقد زودت مصر المنطقة الشرقية الليبية بنحو 30 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء عندما قطعت كتائب القذافي التيار عنها, الأمر الذي ساهم في تخفيف المعاناة وبالتالي في مواصلة الصمود وهذا كله مما يدخل في ميزان حسنات سياسة مصر الخارجية عندما ينظر إلي موقفها تجاه ثورة 17 فبراير الآن, وييسر بالتالي مهمة بناء علاقات طيبة نأمل أن تصبح خاصة مستقبلا. ولذلك يصح أن تكون زيارة الوفد المصري الكبير إلي طرابلس الأسبوع الماضي مناسبة لمراجعة سياستنا الرسمية تجاه الثورة السورية قبل أن يفوت الوقت المناسب لهذه المراجعة.