محمد الرميحي
لا يوجد مجتمع - حسب علمي - يطلب من السلطة تطبيق قانون على الجميع يُخترق من البعض بسبب نفوذ سياسي مصلحي، إلا الكويت. في الأسبوع الماضي عقد في الكويت أول مؤتمر قمة لحوار التعاون الآسيوي، وهي خطوة متميزة على الصعيد الدولي، في الوقت الذي تذهب فيه قوى من المعارضة إلى الساحات الاحتجاجية، مطالبة باستمرار قانون التصويت القائم الذي صدر بمرسوم في الأول من أغسطس (آب) عام 2006 بعد جدل سياسي وطبق في ثلاثة انتخابات. الخلاف في الظاهر هو على تفاصيل ذلك القانون الذي أقر، حيث يدلي الناخب في دائرته (وهي خمس دوائر) بأربعة أصوات، على أن تخرج الدائرة عشرة مرشحين. إلا أنه خلاف على التفاصيل.
الخلاف الظاهري يخفي ما يراه البعض عوارا هيكليا في الممارسة الديمقراطية التي يتجاذب الصراع حولها بين أقلية نشطة وأغلبية صامتة، ولكنه خلاف على الفروع لا الأصول، في الوقت الذي تتبنى فيه المجتمعات آليات مشاركة لحل المشكلات، تتحول تلك الآليات في الكويت إلى مشكلة بحد ذاتها.
في السنوات الست الماضية منذ 2006، حُل مجلس الأمة الثاني عشر (عام 2008) والثالث عشر (عام 2009) وأبطلت المحكمة الدستورية المجلس الرابع عشر (عام 2012). فإذا لم تكن هذه الظاهرة من عدم الاستقرار السياسي تمثل عوارا هيكليا، فما هو العوار الهيكلي إذا؟!.
الآن من المرجح أن يقر مرسوم ضرورة يصدر إما بتمكين الناخب من الإدلاء بصوت واحد (الشخص الواحد له صوت واحد) أو بصوتين، المعارضة النشيطة تطالب بالإبقاء على الأربعة أصوات السابقة حيث ترى فيها أفضل الفرص من أجل إبقاء تكتلات وإنشاء تحالفات لحشد الأصوات. يرى بعض المراقبين المحايدين أن الأزمة ستظل قائمة ومستمرة بأي شكل من الأشكال التي قد يأخذها التصويت (واحد، اثنين، أو أربعة) فالمشكلة ليست في الشكل كيف كان، بل في الموضوع، الذي لا يرغب كثيرون في مناقشته. الطريق يبدو مسدودا، فالرجوع عن الأصوات الأربعة سيثير قطاعا من الشارع الكويتي الذي يؤيد وجهة نظر المعارضة، والاستمرار في الأصوات الأربعة سوف يثير الأغلبية الصامتة التي ملت كل هذا النزاع السياسي، خاصة بعد أن تفاقم إلى درجة مست رموز الدولة على المستوى الشخصي، وهو أمر وجدت فيه الأغلبية الصامتة تجاوزا في الخطاب، عبرت عنه بعض الكتابات الصحافية وتم تناوله على نطاق واسع بالشجب في وسائل الاتصال الاجتماعي وعلى مستوى الأحاديث في الدواوين الشعبية.
الأرجح أن أي قرار سوف يتخذ يكيف عدد الأصوات التي يحق للناخب الكويتي أن يدلي بها في العملية الانتخابية، سوف يكون على أكثر تقدير عملية تأخير للازمة وتخدير للمشكلة إلى حين، لا علاج لها على المستوى الهيكلي، الذي سيحتاج إلى قرار سياسي عميق للخروج من أزمة طالت واستهلكت طاقة المجتمع من سياسيين وأفراد عاديين، وعطلت مسيرة التنمية وعرقلت الإصلاح الإداري المطلوب وشرذمت المؤسسات منذ زمن.
دون النظر إلى العوار الهيكلي يتنادى البعض للحلول السريعة المسكنة، لعل بعضها يؤدي إلى تقليل الآثار السلبية التي تطورت لتصبح عقبة في مسيرة الاستقرار السياسي في الكويت، خاصة أن البلد على مقربة من أزمات إقليمية شديدة الوطأة لا تخطئها عين منصف.
سقف النقد الذي قامت به المعارضة التي يمكن أن توصف بأنها laquo;مؤتلفةraquo;، إذ إن بها قطاعا يرغب أن تكون المعارضة في شكلها وطريقة عرضها لمطالبها تأخذ طريق النعومة، وأخرى ترى أن الشراسة السياسية ورفع الصوت، هو الذي يقربها من نيل المطالب، بسبب ميل الجمهور العام - كما في أي مجتمع - إلى تبعية تلقائية لخطاب الكراهية والتشهير، وكما في أي تجمع مثل ذاك، سياسي وغير مؤطر في تكوينات سياسية لها مرجعية قانونية يمكن مساءلتها.
في نفس الوقت، تميل القلة إلى مخاطبة الجماهير عاطفيا بصوت أقرب إلى استفزاز الآخر واستعدائه، خاصة بعد تجارب كثيرة قادت إلى الاعتقاد بأن خطاب الكراهية أقرب طريق لجمع الأصوات. بالطبع كما أنه توجد في الكويت معارضة شرسة، فيمكن أن نصف بعضا في الصف الآخر في المعارضة بالرشيدة والتي ترى أن استمرار الحال السياسي كما هو سوف يقودنا إلى أزمة أخرى. بالتالي فإن النظر في إعادة هيكلة الممارسة الديمقراطية يحتاج إلى laquo;تعدديةraquo; ليست قائمة على الولاءات الصغرى في المجتمع، كالقبلية والطائفية والأسرية الممتدة، وتستدعي هذه المعارضة القول إن ضعف الدولة يسبب كل تلك المشكلات المتفاقمة، وهو ضعف لم يكن خافيا عن عالم مثل ابن خلدون الذي قال قبل أكثر من ستة قرون laquo;إن القبيلة إذا قوي سلطانها، ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلةraquo;! قليل قد قرأ ابن خلدون فذهب إلى تقوية القبلية، لأسباب متعددة، كما ذهب إلى تقوية الطائفية لنفس الأسباب، دون حساب أن من يربي الوحش قد ينقلب عليه!
مرة أخرى تقدم المجتمع يحتاج - كما تحتاج ممارسة الديمقراطية - إلى خلق تعددية قانونية صحية، لم تدخل بعد في أجندة المتنافسين في الساحة السياسية الكويتية، وهذا ما يجعل من البعض أكثر ميلا لاستقطاب الأنصار والمناصرين، ليس على برامج سياسية تفيد قطاعات المجتمع بكل مكوناتها، بل على مناصرين وأتباع، تستهويهم شدة الخصومة وخطب الكراهية، فالوطن مودات مع سقوط المودة، يسقط الوطن! الحقيقة التي لا تحتاج إلى إثبات أن مجتمع الكويت منقسم على نفسه اليوم عموديا وأفقيا، مع استقطاب حاد يكاد يصل حتى إلى الأسرة الواحدة.
هناك خوف لدى الأغلبية الصامتة في الكويت من المقبل، هو خوف يصل إلى الهلع، وقراءتي الشخصية أن مخاضا مؤلما سوف يلم بالمجتمع، على الرغم من المراهنة - وقد تكون حقيقية - أن الظاهر على مسافة من الباطن، لدى بعض منتسبي المعارضة، حيث في داخلها معارضة ناعمة سوف تسير إلى التوافق متى ما اتخذ قرار نهائي في طريقة التصويت. إلا أن السيناريو الآخر يمكن أن يحدث من خلال اختلاف الأقيسة والحسابات للمقبل من القرارات، وقد يقود - وذلك احتمال غير مرغوب فيه ولكنه ممكن - إلى صدام، يدفع فيه الجميع أثمانا غير مقبولة من السواد الأعظم من الشعب.
آخر الكلام
سئل حكيم: من الأحمق؟ فقال: هو ذاك الشخص الذي يفعل الشيء مرتين، بنفس الطريقة، ويتوقع نتائج أخرى!
التعليقات