John Arquilla - Foreign Policy
بدأ بشار الصراع بإطلاق laquo;الشبيحةraquo; ضد المتظاهرين السلميين، وقد تصرفوا بطريقة سيئة فكانوا يضربون ويغتصبون ويقتلون المحتجين، ما أدى إلى إشعال نيران الثورة. صحيح أن laquo;الشبيحةraquo; لا يزالون جزءاً من الصراع وهم يطرحون تحديات خطيرة على الثوار، لكن يبقى الضرر الاجتماعي الناجم عن أفعالهم هائلاً.
فشل بشار الأسد في قمع الثورة العنيدة على الرغم من تفوق نظامه الهائل في القوة البشرية العسكرية وعتاد الأسلحة، لكنه فشل بسبب هذا التفوق المادي تحديداً. حاولت قواته الغنية بالمدرعات الثقيلة والطائرات الهجومية والأسلحة الكبيرة تطبيق ما يشبه ldquo;عقيدة باولrdquo; المبنية على مبدأ ldquo;القوة الطاغيةrdquo;، لكنّ شبكات الثوار الحيوية والمؤلفة من خلايا صغيرة تجنبت معظم الضربات القوية الموجهة ضدها، وقد أطلقت عدداً متزايداً من الضربات المضادة.
كيف يمكن أن تنجح حركة عشوائية مماثلة بالصمود من دون الدعم الجوي القوي الذي وفره حلف الأطلسي للثوار الليبيين؟ يكمن الجواب في واقع أن الجيش السوري، مثل القوات المسلحة في معظم الدول الأخرى، يكون منظماً ضمن وحدات واسعة وقوية لكن قليلة، بينما تكون الخلايا الثورية أصغر حجماً وأكثر حيوية. لذا يواجه الجيش السوري (تتركز معظم قوته الهجومية ضمن ثماني وحدات من الدبابات) وقتاً عصيباً وهو يحاول التعامل مع الهجمات الفجائية التي يطلقها حوالي ألف فريق من الثوار، ويتألف كل فريق من 8 إلى 10 عناصر. كذلك، تطرح الضربات الجوية ضد مجموعات المقاتلين الصغيرة إشكالية بارزة، ولا سيما في المدن، مما يؤدي إلى قتل الأبرياء بدل الثوار.
يتلقى الثوار عدداً متزايداً من الأسلحة المضادة للدبابات (ربما يحصلون الآن على بعض الصواريخ المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف)، ما يعني أنهم يزدادون خطورة، لكن يتعلق أبرز تفوق يستفيدون منه بقدرتهم على إطلاق اعتداءات متزامنة في ست مدن سورية مثلاً. نسمع في أغلب الأحيان عن القتال الحاصل في دمشق وحلب ومحيطهما، لكن تشتعل الثورة في أنحاء البلد (لم يكتشف النظام بعد الطريقة المناسبة لتقسيم قواته إلى وحدات أصغر حجماً واستعمالها على نطاق واسع بما يكفي لإخماد النقاط الساخنة من المعركة).
باختصار، تفاجئ شبكة الثوار قوات النظام كما تفعل خلية النحل. تشير الحرب الأهلية السورية بكل بساطة إلى أن الثوار يهاجمون نقاطاً عدة في الوقت نفسه بينما يستطيع الجيش السوري التركيز على الاعتداءات المضادة في نقاط قليلة خلال وقت معين. بالنسبة إلى النظام، هي مقاربة خاسرة على المدى البعيد، فلا يزال بشار الأسد يملك جيشاً واسعاً ومسلحاً وسيتابع الإيرانيون والروس على الأرجح تعبئة ترساناته لفترة معينة، لكن ما لم يستعمل تكتيكاً مضاداً للتصدي لتلك الهجمات المتزامنة، فستصبح أيامه معدودة.
على الرغم من بروز احتمال سقوط بشار الأسد في نهاية المطاف، ليس هذا الأمر وشيكاً. تُعتبر نقطة قوة الثوار وشبكتهم المؤلفة من خلايا صغيرة أبرز نقطة ضعف لديهم لأن مجموعات المقاتلين تفتقر إلى خطاب موحّد يمهد لتحقيق هدفها المشترك. لا شك أن القصة البسيطة التي تروي حكاية شعب مقموع يناضل لإسقاط طاغية تزداد تعقيداً بسبب رغبة بعض الثوار في تصفية الحسابات القديمة مع الأقلية العلوية التي تحكم منذ زمن بعيد وبسبب الكره الذي يكنّه الآخرون تجاه الطائفة المسيحية الكبيرة في سورية. كذلك، يُعتبر وجود مقاتلين من ldquo;القاعدةrdquo; عاملاً شائكاً من شأنه أن يعقّد احتمال حدوث تدخل عسكري خارجي، كما أنه يصعّب جميع الخيارات المتعلقة بزيادة تسليح الثوار. تحدث ميت رومني عن تقديم المساعدة إلى ldquo;الثوار الصالحينrdquo;، لكن يصعب تحديد هؤلاء الثوار بوضوح.
يواجه الثوار صعوبة أخرى لأن بشار الأسد يملك شبكة من الميليشيات (ldquo;الشبيحةrdquo;) القادرة على التسبب بأضرار جسيمة، لكن سرعان ما أدى استعمال تلك الميليشيات إلى نتائج عكسية. بدأ بشار الصراع بإطلاق الشبيحة ضد المتظاهرين السلميين، وقد تصرفوا بطريقة سيئة فكانوا يضربون ويغتصبون ويقتلون المحتجين، ما أدى إلى إشعال نيران الثورة. صحيح أن ldquo;الشبيحةrdquo; لا يزالون جزءاً من الصراع وهم يطرحون تحديات خطيرة على الثوار، لكن يبقى الضرر الاجتماعي الناجم عن أفعالهم هائلاً. باختصار، هم يملكون البنية التنظيمية المناسبة لمحاربة الثوار، لكن أعمالهم تؤذي النظام أكثر مما تفيده.
استعمل بشار الأسد طريقة أخرى ليحاول تحسين موقعه، فأخذ بنصائح الناشطين في ldquo;حزب اللهrdquo; والكوادر الإيرانية بعد أن وصلت هذه الأطراف إلى سورية. استعمل مقاتلو ldquo;حزب اللهrdquo; المفهوم الذي طبقوه ضد قوات الدفاع الإسرائيلية خلال الحرب اللبنانية في صيف عام 2006. فنظموا عدداً هائلاً من الفِرَق الصغيرة كتلك التي صمدت ميدانياً في وجه واحد من أقوى جيوش العالم، لكن لا يواجه بشار قوات الدفاع الإسرائيلية التي تشبه إلى حد كبير قواته المسلحة الخاصة، بل إنه يواجه صراعاً يشبه نظام المعركة الذي يتقنه ldquo;حزب اللهrdquo;. هو يحتاج إلى نموذج معين لمواجهة العناصر غير النظامية ولا يحتاج إلى مفهوم لمحاربة قوات تقليدية. على الهامش، يوفر له المستشارون الإيرانيون نصائح مفيدة ولكنها ليست كافية لتحقيق تفوق حاسم على الثوار.
ربما يكمن أفضل وآخر أمل اليوم في يد الروس، فلا يتعلق الحل بتلقي أسلحة إضافية منهم بل بتعلم الدروس من حروبهم مع الشيشان. عام 1996، طردت مجموعة من المقاتلين القبليين جيشاً روسياً تقليدياً وواسعاً من الشيشان، لكن بعد بضع سنوات، عاد الروس وهزموهم. كيف حدث ذلك؟ لقد نجحوا في مهمتهم من خلال إنشاء وإطلاق شبكة من الوحدات الصغيرة الخاصة بهم وانتقاء بعض العشائر للتعاون معها. هكذا تعلموا كيفية استعمال التكتيك الهجومي ضد العناصر غير النظامية (إنه إنجاز عقائدي حقيقي في الشؤون العسكرية). سرت شائعات مفادها أن بعض الخبراء الروس ممن ساهموا في مكافحة التمرد وتغيير الوضع في الشيشان يقدمون النصائح الآن إلى قوات النظام.
لكن هل يستطيع الجيش السوري أن يُحدث تحولاً جذرياً مماثلاً وسط العمليات القتالية الحاصلة؟ إنه أمر ممكن حتماً، لكن تدل جميع المؤشرات على أن القادة العسكريين التابعين للنظام اعتادوا على أعلى مستويات السلطة المركزية وعلى الخطط المنظمة لتنفيذ العمليات. حتى لو بذل الجيش الجهود اللازمة لتغيير مفهومه خلال تنفيذ العمليات، فهو سيحتاج إلى وقف الهجمات المستمرة خلال مرحلة إعادة تنظيم عمل القوات العسكرية، لكن سيؤدي هذا الأمر إلى التنازل عن أجزاء إضافية من سورية لمصلحة الثوار. إنه رهان محفوف بالمخاطر وسيترافق حتماً مع تكاليف مادية كبرى وعواقب نفسية خطيرة.
باختصار، من المستبعد أن يتحسن أداء الجيش النظامي لدرجة تخوّله هزم الثوار، إلا إذا كان الأسد مستعداً لأخذ المجازفة (على طريقة المستشار الألماني بيثمان هولويغ عشية الحرب العالمية الأولى) وتقسيم قواته إلى وحدات صغيرة وحثها على إطلاق حرب عصابات ضد العصابات. كذلك، من المستبعد أن يحقق الثوار النجاح على المدى القريب أو المتوسط من دون تحسين مستوى تسلحهم أو حصول تدخل خارجي على شكل دعم جوي. في حال حصل الثوار على أسلحة فتاكة، قد تصل تلك الأسلحة إلى ldquo;القاعدةrdquo; أو أي منظمات إرهابية أخرى.
على صعيد آخر، يجازف أي تدخل عسكري علني بتصعيد الصراع مع إيران طبعاً ومع روسيا على الأرجح لأنها تملك قاعدة بحرية في سورية، وقد عبّرت عن قلقها الشديد على أمن الطائفة المسيحية هناك.
لقد ترسخ وضع المراوحة الذي يمكن أن يفعّل مقاربة دبلوماسية مبتكرة لو كان العالم يهتم فعلاً بحل الأزمات. لكن ما كانت تلك المقاربة لتشدد على سقوط بشار الأسد فوراً، بل إنها كانت ستطالب بضمان أمن وسلامة الشعب السوري وتوسيع هامش حريته تدريجاً.
التعليقات