عبد الباري عطوان
عندما يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس انه لا يريد العودة الى مسقط رأسه صفد في الجليل، ويختصر فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه يقدم تنازلات مجانية ويفرّط بالثوابت الفلسطينية من اجل ارضاء الاسرائيليين، في ازدراء واضح للشعب الفلسطيني ولمشاعره الوطنية.
فإذا كان الرئيس عباس لا يريد العودة الى صفد، والبقاء في رام الله، او العيش في بيته في عمان فهذا قراره الشخصي، ولكنه في هذه الحالة لا يجب ان يتحدث، او يدعي تمثيل ستة ملايين لاجئ فلسطيني ينتشرون في مختلف بقاع الارض، علاوة على الاراضي المحتلة في الضفة والقطاع ودول الجوار.
فكيف يمكن ان نتوقع من الرئيس عباس ان يدافع عن حق العودة بجدية وتفان وهو الذي لا يؤمن بهذا الحق، ولا يريده لنفسه ولأولاده واحفاده، وكل هذا من اجل كسب ودّ افيغدور ليبرمان، ونيل رضا بنيامين نتنياهو.
الرئيس عباس، اذا كان يريد فعلا ان يكون رئيسا للفلسطينيين، ويتحدث باسمهم، فإن عليه ان يكون القائد القدوة الذي يحترم مشاعرهم ويحافظ على ثوابتهم، ويحترم ارواح شهدائهم الذين سقطوا في ميادين الكرامة والشرف، قبل ان تحتل اسرائيل الضفة وغزة، ومن اجل تحرير صفد وحيفا ويافا والقدس، وكل المدن والقرى والنجوع الفلسطينية المحتلة.
لا نعرف لماذا اقدم على هذا التنازل الخطير عن حق العودة الذي يعتبر اساس القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا بدّ انه يعلم ان الثورة انطلقت من مخيمات اللاجئين ومن اجل استعادة هذا الحق، وإنصاف اهله، وتحرير الارض المغتصبة من مغتصبيها.
' ' '
إذا كان الرئيس عباس يعتقد ان استجداء الاسرائيليين بهذه الطريقة يمكن ان يثمر في نيل تعاطفهم، والتأثير بالتالي على نتائج الانتخابات المقبلة، فإنه يرتكب خطأ فادحا، لان تهافتا عربيا سابقا، تمثل في التقدم بمبادرة سلام مهينة، و تمت ترجمتها الى العربية، وشنّ حملة اعلانية للقيام بنشرها في كل الصحف الاسرائيلية تحت ذريعة مخاطبة الرأي العام الاسرائيلي من وراء ظهر قادته، هذا التهافت المخجل الذي جاء ترجمة لنصيحة اوروبية وامريكية، اعطى نتائج عكسية تماما، تجسّدت في تصويت الاسرائيليين في الانتخابات الاخيرة لمصلحة الليكود بقيادة نتنياهو، و'اسرائيل بيتنا' بزعامة ليبرمان.
ماذا يفيد الرئيس عباس ان يكسب بعض الاسرائيليين مقابل خسران شعبه؟ هذا اذا افترضنا جدلا انه سيكسب هذا البعض، وان كنا على قناعة راسخة بأن تنازلاته هذه ستقابل بالشفقة والاحتقار، وستفسر على انها دليل ضعف وإفلاس.
ولعل ما هو اخطر من كل ما تقدم تعهد الرئيس عباس بمنع انفجار انتفاضة ثالثة في الاراضي المحتلة، وهذا يعني انه سيقاتل شعبه جنبا الى جنب مع قوات الجيش الاسرائيلي، وهي نهاية لا نريدها له كخاتمة لتاريخه السياسي.
ربما يفيد تذكير الرئيس عباس ان الرئيس حسني مبارك كان يملك مليون رجل امن، وان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان يحكم تونس بأقوى جهاز امني في المنطقة، والشيء نفسه يقال عن الرئيس بشار الاسد الذي يملك 17 جهاز مخابرات تستمد شهرتها من ابشع انواع القمع والترهيب، ومع ذلك لم يستطع اي من هؤلاء منع انتفاضة شعوبهم المطالبة بالحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي.
صحيح ان الرئيس عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض ابدعا في تطبيق السلام الاقتصادي وتحويل الشعب الفلسطيني في الضفة ومعظم القطاع الى عبيد للراتب الذي يدفعانه آخر الشهر لأكثر من 160 الف موظف، ولكن هذه العبودية لن تعمر طويلا، فها هو الشعب الكويتي الذي يعتبر من اغنى شعوب الارض واكثرها رفاهية، ينتفض ويطالب بالاصلاح السياسي، ويرفض مشاريع أميرية بتعديل الدوائر الانتخابية، وفرض نظام الصوت الواحد.
' ' '
الشعب الفلسطيني لا يمكن، بل لا يجب، ان يقبل بهذا الهوان، في وقت تنتفض فيه الشعوب العربية للمطالبة بحقوقها، وهو الذي يعيش اذلالين في الوقت نفسه، اذلال الراتب واذلال الاحتلال.
الرئيس عباس، ومنذ عشرين عاما، وهو يقدم التنازل تلو الآخر للاسرائيليين، ويقدم نفسه على انه الشريك المعتدل، ومع ذلك لم يجنِ غير الإهانات منهم، فكم استجداهم من اجل زيارة مسقط رأسه (صفد) دون ان يتم السماح له بهذه الزيارة؟
انا شخصيا، ومعي ستة ملايين لاجئ فلسطيني، او هذا ما اعتقده، نقول للرئيس عباس اننا نريد العودة الى مدننا وقرانا في فلسطين المحتلة المسماة حاليا اسرائيل، ولن نتنازل عن اي مليمتر واحد منها مقابل كل مليارات العالم، فهذه ارضنا، وهذا حقنا، ولذلك نطالبه بأن لا يتحدث باسمنا طالما انه اراد ان لا يكون واحدا منا.
- آخر تحديث :
التعليقات