بينة الملحم

منذ اغتيال وسام الحسن أخذ المشهد اللبناني الصورة عن بقية الصور الموجودة في العالم العربي. حتى كاد أن يغطّي على الثورة السورية والأحداث الجارية فيها. اغتيال وسام الحسن جاء بعد أن وقف الحسن مع الثوار في سوري من دون أن يقف مع التنظيمات المتشددة، وهو يعي أن هناك فصائل متشددة تقاتل داخل سوري مندسّة مع الأهالي والجيش الحر الذي تغلب عليه الكوادر المدنية.

وكان هذا السبب أي الوقوف مع الثورة السورية أحد أكبر أسباب اغتياله، وكان لكشفه عن خليّة ميشيل سماحة دور أيضاً في جعله على رأس قائمة الاغتيالات. والرسائل التي يحملها اغتياله واضحة، أبرزها أن يعي زعماء تكتل 14 آذار أن الذي يحميهم ويهندس مواكبهم وتنقّلاتهم قد وصلت إليه اليد السورية فلا غرابة أن يصلوا إلى غيره من الزعماء المهددين فعلياً بالاغتيال مثل وليد جنبلاط، أو سمير جعجع أو مروان حمادة أو غيرهم من القياديين للتيار المناوئ لسورية، مع أن جنبلاط له رياحه التي تذهب به يميناً وشمالاً.

بطبيعة الحال هناك تغطية على الحدث، بعض التيارات في لبنان تحمّل إسرائيل مسؤولية اغتيال وسام الحسن على اعتباره الكاشف الكبير عن الجواسيس في لبنان، حتى إنه اكتشف أناساً مدسوسين من إسرائيل داخل صفوف حزب الله نفسه..

حسناً هذه الفكرة قابلة للنقاش غير أن إسرائيل لو أرادت أن تغتاله لأعلنت ذلك فهي تمارس أعمالها علناً، فهي اغتالت قادة حركة حماس وتغتال أعداءها بقوة وشراسة وبعلانية، لكن النظام السوري له سلوكه الذي يعرفه اللبنانيون منذ بدايات الاغتيالات، فهو الذي تخلص من كمال جنبلاط ورفيق الحريري وبيير الجميل وغيرهم مع أنهم قادة في طوائفهم وأحزابهم السياسية، السلوك السوري واضح، كما أن سلوك القاعدة واضح، وسلوك إسرائيل أيضاً واضح.

مشكلة النظام السوري ومن يدور في فلكه من اللبنانيين في الأوهام والتراكيب التي يخترعونها، مثلاً حين اغتالوا رفيق الحريري جاؤوا بمسرحية laquo;أبو عدسraquo; وقل مثل ذلك عن أي اغتيالٍ يصيب أي سياسيّ أو صحافي أو إعلامي في لبنان وغير لبنان، سرعان ما تكون القصة جاهزة والمبررات كثيرة والأحابيل والادعاءات أكثر.

المشكلة أن النظام السوري لن يدع الأمم تعيش، بل سيحترق ويحرق معه الآخرين، وحزب الله مهما كانت أقواله أو مبرراته لا يستطيع أن يرفض طلباً للنظام السوري، بل ولا يستطيع أن يحكم كل قراراته الداخلية أو الخارجية، فهو محكوم بمصالح النظام السوري أكثر من كونه محكوماً بمصالح لبنان وهذا هو الفرق بين الحزب المدني، والحزب الأيديولوجي الذي يعيش على مصالح ضيقة أو مصالح خارج نطاق حدود البلد أو الوطن الذي يتمركز فيه.

لبنان أمام اختبارات حقيقية، النيران من حوله، والمأساة التي يمكن أن يجرّها النظام السوري إلى لبنان كبيرة، وما أسهل أن يخترق النظام السوري لبنان، فلطالما اعتبره حديقةً خلفية له يحوّل إليه الأموال والمواد والعتاد، ولذلك مهما فعل تيار 14 آذار لن ينجح كثيراً في كفّ الخطر عن لبنان مادامت هناك أحزاب أقوى من الدولة بألف مرة، ومادامت هناك أحزاب ولاؤها للنظام السوري أكثر من ولائها للبنان، لكن الجهد الذي يقوم به زعماء 14 آذار هو أضعف الإيمان وما يمكنهم أن يفعلوه..

الأحزاب التي تحمل السلاح دائماً لها السيطرة والهيمنة وهي مخيفة بالفعل ولها أدوارها الضارة والكارثية على المجتمع الذي تعيش فيه.

لبنان سيعاني كثيراً، لكنه مثل طائر الفينيق الأسطوري الذي ينهض من الرماد، السنوات القادمة قاسية ومُلحّة وشاحبة لكن لبنان يستطيع أن يتجاوز كل ذلك إن أراد ذلك، وإن أرادَ ذلك سيُعجّل بسقوط بشار ونظامه.