ارتكب نظام الأسد اعتداءات وحشية بحق المقاتلين الثوار والمدنيين على حد سواء، لكن أخيراً ركز الرأي العام العالمي على الأعمال الوحشية المزعومة التي يرتكبها أشخاص يحاولون إسقاط الأسد. ربما بدأت المعايير الأخلاقية تتغير في ظل استمرار الحرب الأهلية.


Christoph Reuter

لم يتردد الثوار كثيراً بعد استيلائهم على حاجز تفتيش بالقرب من سراقب، في جنوب غرب حلب، في 1 نوفمبر، فقد جمعوا الجنود وأعضاء الميليشيات الذين كانوا يقاتلون باسم نظام الرئيس السوري بشار الأسد وجعلوهم يتمددون على الأرض وأردوهم قتلى بالرصاص. قُتل ثمانية رجال على الأقل بهذه الطريقة (أو 11 وفق مصادر أخرى).
اعتبر quot;المرصد السوري لحقوق الإنسانquot; (منظمة صغيرة تُعنى بحقوق الإنسان، مركزها بريطانيا، وتحاول رصد عدد القتلى من الطرفين) أن ما حصل يندرج في إطار quot;المجزرةquot;. لكن لم يكن هؤلاء الضحايا مناصري الأسد الوحيدين الذين قتلهم الثوار.
حين أنشأت المعارضة السورية ائتلافاً جديداً الأسبوع الماضي، أرسلت منظمة العفو الدولية عريضة إلى قادته السياسيين لحثهم على منع أي جرائم حرب أخرى مثل أعمال القتل التي ارتُكبت في سراقب. ثمة خلاف أيضاً حول هذا الموضوع ضمن جماعات الثوار. أدلى أعضاء معارضون من مدينة مصياف بتصريح يندد بالوحشية التي ارتكبها زملاؤهم في سراقب: quot;الانتقام هو منطق الجبناء. نحن لم نبدأ الثورة لهذا السبب. هذا السلوك مشينquot;.
لكن من المستبعد أن يوافقهم الرأي مرتكبو تلك الأعمال، وقد اتضح ذلك من خلال الطريقة التي علم بها العالم بعمليات الإعدام تلك: صوّر الثوار أنفسهم وهم يقتلون ثم عرضوا الفيديو على موقع يوتيوب. تشمل التعليقات على الفيديو انتقادات لاذعة أو تأييداً واسعاً.
تسلط ارتكابات سراقب الضوء على التطورات المتناقضة التي تطبع الحرب المستمرة. من جهة، بدأت وحدات الثوار التابعة للجيش السوري الحر تزداد تنظيماً. لكن من جهة أخرى، لا تتردد جماعات ثورية جديدة وخارجة عن السيطرة في التعبير عن حقدها في أجزاء معزولة وغير مكتظة من البلد. بينما بدأت لجان المحامين تراقب دورياً السجون التي يديرها الجيش السوري الحر، يكتفي ثوار آخرون بإطلاق النار على المعتقلين لديهم على جانب الطرقات. تُسجَّل حوادث عدة تثبت تنامي الوحشية في صفوف بعض الثوار، لكن يحاول ثوار آخرون في المقابل تجنب التحول إلى ما يشبه نظام الأسد الذي يحاربونه.

رمي الجثث من الأسطح

نادراً ما تكون الظروف واضحة بقدر ما حصل مع مجزرة سراقب. ما بدأ على شكل انتفاضة سلمية ضد نظام دكتاتوري في سورية تحوّل إلى حرب وحشية جداً حيث يستطيع عدد ضئيل من الصحافيين الأجانب مراقبة ما يحدث ميدانياً. لكن تعجّ شبكة الإنترنت بآلاف الفيديوهات والصور الملتقطة عبر الهواتف الخليوية، وغالباً ما تكون المواد المعروضة مريعة وغير واضحة. يمكن استعمال تلك المواد لدعم أي فرضيات وأفكار شائعة لأن أحداً لا يستطيع التأكد مما تُظهره الفيديوهات.
حتى عند توافر تسجيلات مفيدة، يصعب في أغلب الأحيان توضيح الأحداث التي يتم رصدها. في منتصف شهر أغسطس مثلاً، انتشر فيديو غير واضح على الإنترنت وكان يُظهر جماعة من الناس المحتفلين أثناء رمي الجثث من سطح مبنى متعدد الطبقات. صُوّر الفيديو في بلدة الباب الصغيرة التي تقع في محافظة حلب.
كان الفيديو مريعاً وقد استعملته قناة quot;روسيا اليومquot; لتبرير السبب الذي يدفع موسكو إلى دعم نظام الأسد. يبدو أن الفيديو يُظهر بكل وضوح الثوار وهم يقتلون موظفين حكوميين. اعتبرت قناة quot;روسيا اليومquot; أن الجثث التي يتم رميها من السطح تعود إلى عاملين أبرياء في مكتب البريد.
كان ذلك المبنى مقراً للخدمات البريدية فعلاً، وهو كان البناء الأعلى في تلك المدينة الصغيرة. لكن كانت الجثث التي تم رميها تعود إلى عدد من القناصة الذين أرهبوا السكان طوال أسابيع في أنحاء البلدة. إنه الاستنتاج الذي توصل إليه تحقيق ميداني قامت به منظمة quot;هيومن رايتس واتشquot;.

تبدل المعايير الأخلاقية

في نهاية القتال في بلدة الباب، تمكن الثوار من محاصرة القناصة وقتلهم ورمي جثثهم من السطح. لا شك أنه عمل بربري، لكن النبأ الذي حاول منتجو التلفزيون الروسي نشره أمام المشاهدين لم يكن صحيحاً.
يبدو أن وحشية النظام أدت إلى تبدل المعايير الأخلاقية. غالباً ما تذبح وحدات الأسد السكان المقيمين في أحياء كاملة، كما فعلت في أواخر شهر أغسطس في داريا حيث كُشفت مئات الجثث. يعمد بعض رجال الأسد الآن إلى قطع آذان ضحاياهم كمكافأة لهم. لذا بدأ بعض السوريين يتفهمون سلوك الثوار إذا اعتمدوا مقاربة العين بالعين وراحوا يعذبون عناصر من ميليشيات quot;الشبيحةquot; الوحشية ويقتلون الأشخاص الذين قتلوا أفراداً آخرين في السابق.
هذا ما يمنع بعض الثوار من فهم السخط الخارجي تجاه فيديوهات مثل فيديو حادثة سراقب الذي انتشر على الإنترنت في 31 يوليو. هو يُظهر الثوار وهم يقتلون أربعة رجال على الأقل من عشيرة بري في حلب، وهي مافيا عائلية كانت قد شكلت ميليشيا لدعم الأسد. كان زعيم العشيرة زينو بري، قبل الاعتداء على معقله، قد خرق اتفاقاً سابقاً لوقف إطلاق النار مع الجيش السوري الحر عبر قتل 15 عنصراً من الثوار.
اعترف الجنرال عبد الجبار العكيدي، أحد قادة الجيش السوري الحر، خلال إحدى المقابلات بأن إعدام المقاتلين التابعين لعشيرة بري quot;كان قراراً خاطئاً حتماًquot;: quot;لقد أطلقنا النار على العصابات التي قتلت سابقاً عشرات الناس. لكن كيف يمكن مقارنة ذلك بحملات القصف وسقوط آلاف القتلى؟quot;.

أخبار مألوفة

لقد فقدت التغطية الإعلامية الغربية حول الصراع السوري توازنها. بما أن الفريقين يتبادلان إطلاق النار، من الشائع أن يتم تقييم ميل كل فريق إلى العنف بالطريقة نفسها. في تقرير نُشر حول الوضع السوري في شهر سبتمبر مثلاً، انتقدت منظمة العفو الدولية الاعتداءات الجوية الواسعة النطاق وحملات قصف القرى والمدن بالدبابات وقذائق الهاون على يد نظام الأسد. ثم اتهم التقرير في فقرة واحدة الثوار باستعمال أسلحة غير دقيقة في المناطق السكنية وبالتالي تهديد حياة المدنيين. استعمل التقرير العنوان التالي على موقع tagesschau.de: quot;منظمة العفو توجه اتهامات خطيرة ضد الطرفينquot;.
على صعيد آخر، بدأ القتال في سورية منذ فترة طويلة لدرجة أن وحشية النظام لم تعد خبراً مهماً. طوال أشهر، عمد الجيش والقوات الجوية إلى قصف بين 60 و200 بلدة يومياً ويموت مئات المدنيين كل أسبوع. في الأسبوع الماضي، تحدثت التقارير عن إعدام أكثر من 40 شخصاً رمياً بالرصاص في ضواحي دمشق وحدها.
لكن مع مرور كل يوم ومقتل أي شخص إضافي، يزداد خطر تأجيج رغبات الانتقام. بعد إسقاط النظام فقط، سيتضح المسيطر الفعلي في صفوف الثوار: من يطالبون بالانتقام للقتلى أو من حملوا خلال تظاهرة تلت مجزرة داريا يافطة كُتب عليها: quot;لا للانتقام! تابعوا المسار! سنحاكم الجميع!quot;.