أريانا هافنغتون

تبنى السيناتور الأميركي المتقاعد جو ليبرمان، لدى ظهوره على شاشة محطة laquo;سي إن إنraquo;، المعتقد التقليدي بقوله: laquo;لقد كان عاما 2011 و2012، في رأيي، العامين الأقل إنتاجية والأكثر حزبية وتشدداً بين الأعوام الـ24 التي أمضيتها هناraquo;. وبالنسبة لليبرمان، وللعديد من مؤسسات واشنطن، السياسية والإعلامية، فإن الاتسام بـlaquo;الاعتدالraquo; أو laquo;الوسطيةraquo; أو laquo;البراغماتيةraquo;، يرادف القدرة على laquo;إنجاز الأمورraquo;.

ومع ذلك، فقد أسفرت انتخابات العام الجاري، وفقاً لوكالة laquo;أسوشيتد برسraquo;، عن laquo;إضعاف البراغماتيين والوسطيين المتمرسين في كلا الحزبينraquo;، وlaquo;قد شمل المغادرون عدداً من أكثر المشرعين براغماتية في مجلس الشيوخ، وما يقرب من نصف ديمقراطيي (تحالف الكلب الأزرق) الوسطيين في مجلس النواب، وعدة جمهوريين معتدلين في مجلس النوابraquo;.

وحسب وليام هوغلاند من مركز سياسة الحزبين، فإن: laquo;هذه الحركة بعيدة عن المركز، في وقت تحتاج فيه المشكلات إلى أن تحل من الوسط، تزيد صعوبة إيجاد حلول للمشكلات الرئيسيةraquo;.

إن ذلك هو النوع من الاقتباس النمطي الموجود في كل مقالة تقريباً تتناول المشهد السياسي الأميركي الراهن، وهو شعور بات سائداً للغاية إلى درجة أننا لم نعد نلاحظه تقريباً. ولكن ينبغي علينا أن نلاحظه، لأنه يمثل أيضاً المشكلة الحقيقية، وهي باختصار؛ الافتراض غير المدروس والذي يعده معظم واشنطن كلاماً منزّلاً، القائل إن الحلول لمشكلاتنا الرئيسية ستنشأ بطريقة سحرية ما عن حل الخلافات في الوسط.

وهو نتيجة لطريقة تفكير يسارية - يمينية قديمة على نحو متزايد. وفي حقيقة الأمر، فقد نجم العديد من المشكلات التي نواجهها، عن ذلك النوع من التسوية بين الحزبين الذي يتغنى به معظم وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال، كدليل على مدى قلة الاعتدال - وبالتالي البعد عن laquo;الحلولraquo; الذي يفترض أن مجلس الشيوخ سيبلغه، فقد استشهدت وكالة laquo;أسوشيتد برسraquo; بانتصار laquo;أحد أكثر أعضاء المجلس ليبراليةraquo;، إليزابيث وارن، على laquo;سكوت براون المعتدلraquo;.

إلا أن المعتدلين كسكوت براون، هم السبب في أننا ما زلنا نبحث عن وسيلة لضمان عدم وجود بنوك أكبر من أن تفشل، وعدم تورط دافعي الضرائب مجدداً في مراهنات مؤسساتنا المالية. وفي الواقع، فإن laquo;المعتدل سكوت براونraquo;، بعد صقل وثائقه laquo;المعتدلةraquo; من خلال التصويت لصالح مشروع قانون إصلاح وول ستريت لعام 2010، راح يضعف أحكامه ويفتح فيه ثغرات للبنوك، وذلك هو السبب في كتابة سايمون جونسون أن براون كان يشار إليه أحياناً على أنه laquo;صراف آلي للمصرفيينraquo;.

ذلك مثال واحد من بين أمثلة عدة، من حرب العراق إلى إلغاء قانون laquo;غلاس ستيغالraquo;، على خطورة مساواة اتفاق الحزبين بالسياسة الجيدة. إن جميع أولئك laquo;المعتدلينraquo; الذين يندب ليبرمان وكثيرون غيره في الوسط الإعلامي رحيلهم الآن، كانوا في الكونغرس الماضي، ومع ذلك، وكما يشير ليبرمان، فقد كان ذلك الكونغرس هو laquo;الأقل إنتاجية والأكثر حزبية وتشدداًraquo; على الإطلاق.

ما نحتاج إليه ليس البراغماتية المزيفة، وإنما المبادئ الحقيقية، مثل التفاني في حماية دافعي الضرائب، بدلاً من التفاني في ضمان مواصلة البنوك للعمل كالكازينوهات. فهل إليزابيث وارن هي التي تمثل تهديداً لإيجاد الحلول؟

إن القيادة الجريئة التي نحتاج إليها من جانب هاري ريد، تتمثل في مقاومته لترهيب الصناعة المالية وجماعات الضغط التابعة لها والممولة تمويلاً جيداً (والتي ستضم، بلا شك، نسبة كبيرة من الزملاء laquo;الوسطيينraquo; السابقين)، ووضع إليزابيث وارن في اللجنة المصرفية التي ستمكنها من تقديم أفضل ما عندها.

هذا هو الوقت المناسب لتحلي كل من الكونغرس والبيت الأبيض بالجرأة، فبداية الكونغرس الجديد، بعد الانتخابات مباشرة وقبل انتخابات التجديد النصفي بأطول فترة ممكنة، تمثل الوقت الأمثل لاتخاذ خطوات جريئة. بعد انتخابات عام 2004، التي أسفرت عن إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بالهامش، قال بوش: laquo;لقد حصلت على رأس المال في الحملة، رأس المال السياسي، وأنا أنوي إنفاقه الآنraquo;.

ولسوء الحظ، فقد أنفقه على العديد من الأمور الخاطئة (بمساعدة العديد من الديمقراطيين laquo;المعتدلينraquo; طبعاً). غير أنه اتخذ الموقف الصحيح، الذي ينبغي للرئيس أوباما أن يتبناه. وكما قال بيل ماهر: laquo;ليست هناك فترة رئاسية ثالثة، يا سيدي الرئيس، لذا فإنك تستطيع التخلي عن الحذرraquo;، لأنك laquo;إن لم تقم بذلك الآن، فمتى؟raquo;.

من الواضح أن هناك العديد من التحديات التي تواجه أميركا اليوم، إلا أنها لن تحل من خلال تسويات منتصف الطريق وحل الخلافات. فتلك، في المقام الأول، هي الطريقة التي نشأ من خلالها العديد من التحديات، أو سمح لها بالتفاقم بلا قيود.. المشكلات الكبرى تتطلب حلولاً كبرى. وأنا لا أقول إنه لا حاجة للتسويات على الإطلاق، ولكن التسوية تشكل الخطوة النهائية في المفاوضات، لا الخطوة الأولى، التي تتمثل في دفاع القادة ذوي القناعات القوية عن قناعاتهم. فإذا كان العنف المسلح مسألة تحظى بحماسك، فإنك ستكون أكثر ميلاً للتمسك بها إلى أن تجد لنفسك حلفاء. والأمر نفسه ينطبق على تحمس السيناتور المنتخب وارن، لإنشاء نظام مصرفي لا يستغل الطبقة الوسطى.

ينبغي لنقطة انطلاق الكونغرس المقبل والرئيس العائد، أن تكون متجذرة في المبدأ.. والحلول البراغماتية ستأتي لاحقاً.