المرشّح الرئاسي الجمهوري ميت رومني لا يملك خبرة حقيقية في الشؤون الخارجية. بما أنه ينتمي إلى عقيدة المورمون، فهو يعاني من أزمة صدقيّة وخصوصاً مع الإنجيليين النافذين الذين هم لاعبون أساسيون في المعركة لانتخاب الرئيس المقبل للولايات المتحدة. لقد صمد في وجه كل الهجمات التي شنّها عليه حزبه وزملاؤه في الحزب وتغلّب على الصعاب ليصير المرشّح الجمهوري الرسمي في مواجهة الرئيس الحالي باراك أوباما.


إيلاف: في خضم الانتخابات الاميركية والسباق المحموم للفوز بالرئاسة ، لم يتوانَ الطامح إلى الرئاسة عن إهانة الدول والشعوب في جولةٍ كان من المفترض أن تكون قصيرة ويسعى من خلالها إلى تعزيز حظوظه، والمعني هنا المرشّح الرئاسي الجمهوري ميت رومني ، بحسب أوكتافيا نصر، حيث ترى أن رومني أثار جدلاً في بريطانيا بتشكيكه في استعدادات البلاد quot;المرتبكةquot; لاستضافة الألعاب الأولمبية. وفي إسرائيل، وعوض أن يتصرف كما يُفترَض في المرشحين للرئاسة أن يفعلوا ويتحاور مع كل الأفرقاء، لعب على وتر السياسة الداخلية وأثار نفور عدد كبير من الزعماء اليهود والعرب، ثم تسبّب بالإهانة والغضب لكثيرين بالتلميح إلى أن الثقافة الفلسطينية دون الثقافة اليهودية خلال الحفل الذي أقامه لجمع التبرّعات في القدس الشرقية.
وعلى الصعيد ذاتهيذكّر يوسف مكي الى أنه بات تقليداً مألوفاً، أن يدشّن أي رئيس أميركي جديد عهده بتعهدٍ بمواصلة حماية إسرائيل، واستمرار تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة . وضمن تلك التعهدات، العمل على حرمان الفلسطينيين، من نيل حقوقهم المشروعة، بما في ذلك تأسيس دولتهم المستقلة، والتنكر لحق من شردوا منهم من العودة إلى ديارهم .
هذان المقالان يخوضان في الانتخابات الأميركية ، وسباق ساسة اميركا نحو ارضاء اسرائيل ، والأجندة الاستثنائية التي يخاطب ميت رومني جمهوره عبرها .

يوسف مكي في(الخليج) الاماراتية: الانتخابات الأميركية والابتزاز الصهيوني

لم يكن توقيع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما لقانون التعاون مع الكيان الصهيوني، مفاجأة للذين يتابعون أداء الرؤساء والمرشحين الأميركيين للرئاسة . فتاريخياً، ومنذ تأسيس الحركة الصهيونية، وبشكل خاص، منذ إعلان وعد بلفور العام ،1917 تماهى مختلف رؤساء الولايات المتحدة الأميركية مع المشروع الصهيوني، وذللوا كل المصاعب التي تواجهه . فالرئيس ويلسون، صاحب المبادئ الأربعة عشر، والمدافع عن حقوق الإنسان وتقرير المصير للشعوب، اعتبر وعد بلفور، مقدمة للاعتراف بحق تقرير المصير لليهود، وعمل على دفع دول العالم إلى الاعتراف بهذا الوعد، بما في ذلك الضغط على حكومة كرنسكي الروسية، من أجل تأييد قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، مقابل تأييد اليهود الروس لهذه الحكومة . وكان دور الرئيس الأميركي، ترومان جوهرياً في إقرار مشروع تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947م . ومنذ تراجع الدور الإمبراطوري البريطاني، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية الراعي الأول للكيان الغاصب، ولم تتردد الإدارات الأميركية المختلفة في الإعلان عن انحيازها لهذا الكيان، في كل الحروب والاعتداءات التي شنها على الأمة العربية .

وقد أصبح تقليداً مألوفاً، أن يدشّن أي رئيس أميركي جديد عهده بتعهدٍ بمواصلة حماية ldquo;إسرائيلrdquo;، واستمرار تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة . وضمن تلك التعهدات، العمل على حرمان الفلسطينيين، من نيل حقوقهم المشروعة، بما في ذلك تأسيس دولتهم المستقلة، والتنكر لحق من شردوا منهم من العودة إلى ديارهم .
وليس من شك، في أن نجاح اللوبي الصهيوني، في الهيمنة على المفاصل الاقتصادية والإعلامية الأميركية، جعل منه عنصراً فاعلاً في التأثير في نتائج معارك الانتخابات الرئاسية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وقد أدى ذلك إلى شيوع قانون أميركي متعارف عليه، عند كل انتخابات رئاسية جديدة، خلاصته أن كل شيء متاح للكيان الصهيوني .
ولم يخرج الرئيس باراك أوباما، المتهم بالفشل في حل الأزمة الاقتصادية المستعصية، عن هذا القانون . فأبجديات التنافس مع المرشح الجمهوري، ميت رومني تتطلب وعوداً جديدة بمساعدات عسكرية ومالية وسياسية مفتوحة لـ ldquo;إسرائيلrdquo;، رغم حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها البلاد . ويتوازى ذلك، أيضاً بزيارات لعدد من أعمدة الحزب الديمقراطي إلى الكيان الصهيوني، في تسابق واضح مع المرشح الجمهوري .

في هذا السياق، يأتي توقيع الرئيس أوباما، في مكتبه في البيت الأبيض، لقانون تعزيز التعاون الأمني بين بلاده والكيان الغاصب لعام 2012 ، بحضور رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، ريتشارد ستون ورئيس ldquo;إيباكrdquo; الحالي لي روزينبرغ وسلفه هوارد فريدمان .
وقد أقر هذا القانون من قبل الكونغرس الأميركي، بسرعة لم تكن معتادة، من دون حد أدنى من النقاش الفعلي باعتماد تعليق الأنظمة . تم إقرار القانون في مجلس النواب في شهر مايو/أيار مقابل اعتراض صوتين فقط، هما المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري النائب عن ولاية تكساس رون بول والنائب عن ولاية ميشيغان جون دينغيل، وأقره مجلس الشيوخ بالإجماع في 29 يونيو/حزيران . والأهم أن مكتب الميزانية في الكونغرس لم يقم بتقدير التكاليف المتوقعة والمتاحة لهذا القانون .
وفي معرض الدفاع عن هذا القانون، يوضح الرئيس الأميركي أن ldquo;أحداث بلغاريا تبرهن أن الاعتداءات لا تزال تمثل تحديًا لـ ldquo;إسرائيلrdquo; والعالم بأسره، ولذلك ينبغي التأكد أن شعب ldquo;إسرائيلrdquo; لن يكون مستهدفاً مستقبلاً بأي هجوم إرهابيrdquo; . ولتأكيد هذا الموقف كُلفّ وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا القيام بزيارة للكيان الصهيوني، للتعبير عن تضامن بلاده مع ldquo;إسرائيلrdquo;، وأن ذلك يعبر عن مدى التزام الأميركيين جميعاً، ديمقراطيين وجمهوريين بأمنها .
إن القانون آنف الذكر، يشير إلى المخاطر، التي يمكن أن تنتج عن التحولات الكبرى في المنطقة العربية، على أمن ldquo;إسرائيلrdquo;، ويعلن التزام حكومة الولايات المتحدة بمساعدة الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; على الاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي وسط تحولات سياسية إقليمية متسارعة وغامضة . كما يتعهد بفرض الفيتو الأميركي على أي قرار في مجلس الأمن الدولي ldquo;مناهض لـ ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo;، وrdquo;دعم حقها المتأصل بالدفاع عن نفسهاrdquo;، وrdquo;السعي الى سبل توسيع التعاونrdquo; مع الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في مجالي الدفاع والقطاعات المدنية، ومساعدتها ldquo;في جهودها لصياغة تسوية سلمية متفاوض عليها للنزاع ldquo;الإسرائيليrdquo; - الفلسطيني تؤدي إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، وتشجيع جيران ldquo;إسرائيلrdquo; على الاعتراف بحقها بالوجود كدولة يهوديةrdquo; .
ويتضمن القانون لائحة من الإجراءات المشتركة كالسعي إلى تعزيز قدرات الحكومتين الأميركية وrdquo;الإسرائيليةrdquo; في مواجهة تهديدات مشتركة ناشئة وزيادة التعاون الأمني وتوسيع المناورات العسكرية المشتركة، ومساعدة ldquo;إسرائيلrdquo; على زيادة تطوير وإنتاج أنظمة صواريخ الدفاع المشتركة، وبشكل خاص الأنظمة التي تدافع ضد التهديد الملح الذي تواجهه ldquo;إسرائيلrdquo; والقوات الأميركية في المنطقة، وتعزيز الجهود المتعلقة بوقف تدفق الأسلحة لقطاع غزة وrdquo;تقديم فرص تدريب وتمرين إضافية في الولايات المتحدة للقوات الجوية ldquo;الإسرائيليةrdquo;rdquo; . كما يركز القانون على أهمية التعاون الاستخباراتي بين البلدين .

ويشمل القانون أيضاً، إشارة واضحة إلى دور موسع للكيان الغاصب في الحلف الأطلسي، بما في ذلك الحضور في المقر الرئيس للحلف والمشاركة في المناورات، بما يعني فتح الباب أمام دور لهذا الحلف، في حال تعرض ldquo;إسرائيلrdquo; لأي هجوم، وهذه فكرة طالب بها المحافظون في واشنطن منذ فترة طويلة .
ومن المؤكد، أن نجاح الصهاينة في تشكيل لوبي قوي مناصر لهم داخل أميركا، وتمكنه من التغلغل في الشأن الاقتصادي الأميركي، وهيمنته على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، بما في ذلك أنشطة هوليوود ومحطات التلفزة الكبرى، هو عامل أساسي في الانحياز الأميركي لـ ldquo;إسرائيلrdquo; . لكن ذلك، لا يلغي التشابك في العلاقات والمصالح بين القوة الكبرى والكيان الصهيوني . وهو أيضاً مرتبط إلى حد كبير بالعجز العربي، عن صياغة استراتيجية عربية موحدة للتصدي لهذا الانحياز، رغم أن للأميركيين مصالح أساسية في الوطن العربي، يستحيل عليهم التفريط بها .

اوكتافيا نصر في ( النهار) اللبنانية: محاولة ميت رومني الفاشلة في الديبلوماسية الخارجية


من الواضح أن ميت رومني يحاول تعزيز مؤهّلاته شبه المعدومة في الشؤون الخارجية من خلال رحلة منظَّمة في الخارج. وإذا كان أداؤه يحمل أي مؤشّر لما يمكن أن يقدّمه في حال فوزه بالرئاسة، فقد رأينا وسمعنا الكثير لنعلم أنه سيفشل فشلاً ذريعاً. لا يعني هذا أنه قد لا يُنتخَب رئيساً في تشرين الثاني المقبل. كل شيء ممكن، وللولايات المتحدة تاريخٌ من الانجرار وراء آلة البروباغندا المحافظة، لا بل الخضوع لسيطرتها. ومن المفيد في هذا الإطار التوقّف عند انتخاب جورج دبليو بوش عام 2000 (حتى لو لم يُحسَم بعدما إذا كانت الانتخابات quot;مسروقةquot; أم لا)، والأكثر إثارة للصدمة، إعادة انتخابه عام 2004.

ليس سراً أن المرشّح الرئاسي الجمهوري ميت رومني لا يملك خبرة حقيقية في الشؤون الخارجية. بما أنه ينتمي إلى عقيدة المورمون، فهو يعاني من أزمة صدقيّة وخصوصاً مع الإنجيليين النافذين الذين هم لاعبون أساسيون في المعركة لانتخاب الرئيس المقبل للولايات المتحدة. لقد صمد في وجه كل الهجمات التي شنّها عليه حزبه وزملاؤه في الحزب وتغلّب على الصعاب ليصير المرشّح الجمهوري الرسمي في مواجهة الرئيس الحالي باراك أوباما.

الصوت الآخر الذي يمكن أن يؤدّي إلى نجاح مرشّح أو سقوطه في ولاية متأرجحة مثل فلوريدا هو الصوت اليهودي. صديق رومني وزميله القديم هو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. لذلك كان طبيعياً أن يخطّط رومني للقيام بزيارة لإسرائيل لتعزيز حظوظه لدى الناخبين الأميركيين ذوي الاصل اليهودي والإنجيليين. ليس واضحاً ما هو عدد المتردّدين الذين سيكسب تأييدهم من خلال هذه الزيارة وسوف يقترعون له في تشرين الثاني. ما نعرفه الآن هو أن الصحافة الإسرائيلية لم تتجاهل نيات رومني الحقيقية وهفواته. فقد هاجمته بشدّة بسبب تعامله بازدراء مع رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، ذلك أن كثيرين يرون أنها تشكّل تهديداً سياسياً جدّياً لنتنياهو. وتعرّض أيضاً لانتقادات حادّة لأنه لم يلتقِ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولأنه حصر تركيزه بمنع إيران من امتلاك امكانات نووية أيًا كان الثمن، من غير أن يقول كلاماً ذا مغزى عن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. ثم انتقد في حفل لجمع التبرّعات في فندق الملك داود، الرئيس أوباما، ووعد بشن حرب على إيران، وجمع استناداً الى المعلومات مليون دولار، فكانت زيارة تأييد لنتنياهو بامتياز، وليس بالضرورة زيارة تأييد لإسرائيل أو لمصالحها كما يراها كل اللاعبين.
لسوء حظ رومني، ليس نتنياهو، حتى في أوساط اليهود في الولايات المتحدة وإسرائيل، سياسياً شعبياً كما يتمنّى أن يكون أو كما يأمل رومني وسواه. إنه صقر ويحظى بدعم اليمين، لكن اليهود منقسمون في دعمهم للحكومة الحالية وفي نظرتهم إلى نتنياهو وقادة الليكود الآخرين. فضلاً عن ذلك، تشير كل استطلاعات الرأي إلى أن غالبية أصوات اليهود الأميركيين لا تزال تصب في مصلحة الديموقراطيين، ومن المستبعد أن يتغيّر ذلك في وقت قريب على الرغم منكل المؤثّرات والوعود التي يلجأ إليها رومني وسواه من الجمهوريين.
إذاً لم يتوانَ الطامح إلى الرئاسة عن إهانة الدول والشعوب في جولةٍ كان من المفترض أن تكون قصيرة ويسعى من خلالها إلى تعزيز حظوظه. فقد أثار رومنيجدلاً في بريطانيا بتشكيكه في استعدادات البلاد quot;المرتبكةquot; لاستضافة الألعاب الأولمبية. وفي إسرائيل، وعوض أن يتصرف كما يُفترَض في المرشحين للرئاسة أن يفعلوا ويتحاور مع كل الأفرقاء، لعب على وتر السياسة الداخلية وأثار نفور عدد كبير من الزعماء اليهود والعرب، ثم تسبّب بالإهانة والغضب لكثيرين بالتلميح إلى أن الثقافة الفلسطينية دون الثقافة اليهودية خلال الحفل الذي أقامه لجمع التبرّعات في القدس الشرقية.


فيما يبدأ ميت رومني المحطة الأخيرة من جولته، يتعين على معاونيه أن ينصحوه بأن يقلّل الكلام الذي يُظهره مبتدئاً في السياسة الخارجية والشؤون الدولية. ولن يكون مفاجئاً، لا بل سيكون مريحاً بعض الشيء، أن يخفّف حدّة لهجته أو يلتزم الصمت بكل بساطة.