حسن عبد الله عباس

لا مفر من تصديق أن السياسة الاميركية لها بصمة واحدة في كل مكان. اينما حدث هذا التدخل، تجد ان للسياسة الاميركية بصمة واضحة ومميزة.
الولايات المتحدة برغم ضخامتها إلا أنها لم تترك اي منطقة في العالم الا ودمرتها باستثارة الفوضى وجر الحروب والازمات عليها. فهذا الأمر ليس مجرد استنتاج او تخمين مبني على سوء نية لهذه القوة العظمى، بل هذا واقع حال جغرافيا الاهتمامات الاميركية. ففي اللحظة التي تخوض فيها الولايات المتحدة الحروب أو تقرر ادخال الدولة أو القضية على جدول اهتماماتها، تكون هذه اللحظة هي البداية القاضية على مستقبل تلك الدولة وذاك المجتمع.
لو رتبنا التدخلات الاميركية بحسب التسلسل الزمني، لقلنا إن الاميركان كانوا ناجحين في تطبيق النموذج الديموقراطي في بدايات عمرها التوسعي. فعندما بدأت أميركا خطواتها كي تصبح القوة العظمى في أوائل القرن الماضي، استطاعت في تلك الفترة أن تقضي على الديكتاتورية الهتلرية واليابانية، وجاءت بأنظمة شعبوية ديموقراطية.
لكن بعد هاتين التجربتين، لم تستطع الحكومات الأميركية وعلى مدى قرن تقريبا من الزمان أن تستحضر هذه النماذج في مواقع اخرى. فهل هذا شيء متعمد؟ هل التجربتان الألمانية واليابانية كانتا فأل شؤم على الاقتصاد الاميركي ولهذا لم ترد أن تكررهما في مناطق اخرى؟ أم أن التدخلات الاميركية الاخرى كلها تجارب فاشلة برغم وجود النية الصادقة لتكرار الحالتين اليابانية والالمانية؟!
لا أعلم صراحة، لكن الشيء المؤكد أن اي بقعة فيها الاميركان، تراها أبعد ما تكون عن المبادئ الاميركية. ليس هذا فحسب، بل الازيد من ذلك أن الاميركان يتعبون ليجني غيرهم الثمر.
فمثلا لاحظ أن الانظمة القائمة في المنطقة، جميعها أنظمة تابعة للمظلة الاميركية، انظر إلى مصر مبارك، إلى تونس، إلى المغرب، جميع هذه الانظمة المؤيدة للامريكان، جميعها أنظمة سلطوية وعلى النقيض تماما لما تدعيه الادارات الاميركية المتعاقبة.
هذا ان احسنا الظن طبعا بقدرتهم وقلنا انهم يقصدون ذلك ويحملون نظرية المؤامرة. لكن المفارقة المضحكة أن أداء الامبراطورية أقرب ما يكون إلى الغباء السياسي. فضمن هذه النظرة التاريخية وبسبب سوء الادارة، ترك الاميركان وراءهم ومن دون سبب للدخول او الخروج، تركوا laquo;غابةraquo; اسمها الصومال، وبعد نصف قرن تقريبا من التعب ضيعوا شبه الجزيرة الكورية فصنفت الشمالية أخيرا بأنها محور للشر، وبعدما كانت شرطي الخليج صارت ايران دولة مارقة استطاعت أن تسرق العراق بكل برود، ولبنان جعلت الجيش الذي لا يقهر يندم مرتين، كما خسروا افضل حليف عربي في مصر، وقس على ذلك كل التجارب الاميركية الفاشلة الاخرى.
لذا ما أراه أن الوضع السوري ليس فقط كذبة كبرى، بل أراها غلطة أخرى تضاف إلى سجل التجارب الاميركية الفاشلة. فاحباب اميركا في سورية اراهم بين أمرين أحلاهما مر: إما عودة النظام لبسط هيمنته من جديد والانتقام من كل من مد السلاح والعتاد والمال، أو حرب أهلية طويلة تطول المنطقة وتستنزف المال والدم!