روبرت بليتشر
كانت جلسة تصويت الأمم المتحدة في 29/11/2012 التي منحت فلسطين وضع عضو مراقب في المنطقة أشبه بعمل مسرحي سياسي. لكن في العالم التخيلي لعملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية قد يكون المسرح ذا أهمية، فقد منح عرض الأسبوع الماضي محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورفاقه في حركة فتح الفرصة لتشتيت الانتباه عن خسائرهم الأخيرة.
فقد قضوا جميعا عاما صعبا، لم يشهد أي تقدم باتجاه إنهاء الاحتلال أو التوصل إلى حل سياسي مع إسرائيل وأزمة الميزانية الملحة والمظاهرات التي استهدفته وقادة السلطة الفلسطينية للمرة الأولى، ولعل آخر هذه الأزمات عملية عمود السحاب، الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، التي تركت عباس على الهامش في الوقت الذي حصلت حركة حماس على الزخم مما اعتبر انتصارا في فلسطين. بيد أنه لا يمكن لأحد في الوقت الراهن القول إن عباس فشل، لكن ما أنجزه لم يكن واضحا.
أحد الأسباب في ذلك، هي أن تحرك الأمم المتحدة لم تقدم حلا لمعضلة عباس الرئيسية، فعندما يستيقظ في الصباح يصحو وعبء عقدين ملفوف بقوة حول عنقه. لم تكن لديه وسيلة سهلة كي ينجو بنفسه منها، فالتصريحات الفلسطينية بأن هذا التصويت سينقذ عملية السلام هو كلام بلا معنى - بلا طائل كحال المفاوضات بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين الذين بدوا متشائمين حول الضربة القاتلة التي وجهها التصويت للمفاوضات. من المستحيل إحياء ما مات؛ لأنه ببساطة من المستحيل أن تقتلها مرة ثانية.
من جانبه قال عباس إنه سيعود إلى طاولة المفاوضات بعد التصويت، بيد أنه إن فعل لا يتوقع أن تحقق المفاوضات نجاحا كبيرا. الحقيقة، أنه نتيجة للشكوك الكبيرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل واستعدادهم المشترك لتجاهل الولايات المتحدة (الفلسطينيون في الأمم المتحدة، والإسرائيليون عبر نشر تصريحات جديدة استفزازية بشكل خاص)، سيجعل نجاح هذه الجولة أقل احتمالية عن سابقتها.
يملك عباس، بطبيعة الحال، خيارا آخر، فبمقدوره أن يستخدم رأس المال الرمزي الذي حصل عليه في نيويورك للدفع باتجاه المصالحة مع حماس. ومع شعور الإسلاميين بالقوة بعد عملية عمود السحاب والمعسكر المؤيد للمصالحة داخل حماس الذي استعاد مؤخرا بعض القوة، قد تشعر كل من فتح وحماس أن الوقت هو الأنسب للوحدة. في المقابل قد يجد عباس نفسه متحفزا للاستفادة من الهيئات الدولية التي يستطيع الوصول إليها الآن بما في ذلك الآليات القضائية، لإلقاء مزيد من الضغوط على إسرائيل. هو لا يرغب في أن يدفع في هذا الاتجاه، فلن يكون ذلك متعارضا مع طبيعته فكلما بدا أكثر إصرارا في موقف المعادي ضد إسرائيل وفقط، كانت الردود الإسرائيلية والأميركية أكثر قسوة. ولهذا السبب ينبغي عليه أن يقيم بعناية مدى استعداده في المخاطرة حتى بوجود السلطة الفلسطينية ذاتها.
لم يكن عباس الشخص الوحيد الذي يملك خيارات، فإن استعداد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للاختلاف مع بعضهم البعض في الأمم المتحدة (16 صوتوا لصالحها وصوتت جمهورية التشيك فقط بلا، بينما امتنعت بلغاريا واستونيا وألمانيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وهولندا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمملكة المتحدة عن التصويت)، ينبغي حسابه ضمن النتائج الإيجابية للتصويت. ذلك أن إصرارهم المعتاد على اتخاذ مواقف مشتركة - على الصعيد الداخلي، ومتوافقة إلى حد ما، مع الولايات المتحدة - لم يمنحهم القدرة على القيام بالكثير. لا يزال هناك وقت طويل أمام المبادرات الدبلوماسية الشخصية أو الجماعية كي تتمكن من تعويض السلبية القديمة للاتحاد الأوروبي.
نفس الأمر يسري بين دول الشرق الأوسط؛ حيث أظهر وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال في غزة في 21 نوفمبر 2012 ما يمكن أن تفعله الدول العربية والإسلامية الثلاثة. ينبغي على مصر وتركيا وقطر والدول الأخرى ألا تقوض من التأثير الذي تملكه على الفلسطينيين إضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، فإن إرث تصويت الأمم المتحدة لا يكمن فيما يختار عباس نفسه أن يفعله بهذا التراث بقدر ما يكمن فيما تمكنه المنطقة من فعله.
* مدير المشروع العربي - الإسرائيلي في laquo;مجموعة الأزمات الدوليةraquo;
التعليقات