بسام البدارين


تخذلني قواي العقلية وخبراتي الذهنية في إختيار ولو حكمة واحدة فقط يمكن إشتمامها من وراء الإصرار على عرض مسلسل تهميش وإقصاء وإخصاء مبدأ الولاية العامة كقيمة دستورية عن طريقها يمكن تفريغ أطنان من إحتقانات الشارع الأردني.
ولا أجد في علم السياسة درسا يتيما يقنعني بأن الإستهداف المنظم لرئيس الوزراء وإضعافه أمام جميع المؤسسات والأفراد وبصورة علنية يمكن أن ينطوي بأي حال من الأحوال على قيمة مضافة توظف لصالح النظام وإحتواء حالة الأستعصاء التي غرق بها الواقع المحلي.
ويبدو أن هذا الإضعاف المقصود أصبح عملا منهجيا بالنسبة لأوساط في القرار الأردني لم يسبق لها أن حصلت على أية دروس خصوصية اوعامة تحت عنوان {الولاية العالمة}.
وقد بات الجميع يدرك هذه المنهجية التي لا يحتاج تلمسها لأي ذكاء فالحكومة الحالية التي يترأسها المستشار القضائي الدولي عون الخصاونة إلتزمت علنا بإعادة جمعية كبيرة لجماعة الأخوان المسلمين منذ أكثر من شهر ولم يحصل الوعد.
بعد ذلك تحدثت الحكومة لثلاثة أشهرعن إستقبال رسمي وشيك لخالد مشعل ورفاقه من قادة حماس في عمان فحصل الإستقبال وغادر مشعل وجماعته والحكومة لم تكن طرفا بالموضوع لا من قريب ولا بعيد.
طبعا في السياق تتكاثر الإعاقات المقصودة وتعمل بعض المؤسسات بنشاط على إجهاض أي محاولة للتفاهم بين الحكومة والإسلاميين ويتم إفساد كل مبادرات الحكومة تقريبا في التعاطي الناعم مع حراك الشارع وللإنصاف يشارك في حفلة {تركيع} الحكومة نخبة عريضة من السياسيين والحرس القديم والصحافيين الذين يبتسمون ليل نهارفي وجه رئيس الوزراء.
الأوساط التي تفعل ذلك بوضوح لم يسبق لها أن تخيلت وجود رئيس وزراء حقيقي لا يغير أو يبدل أقواله ببساطة.
ولا تخيلت حكومة من خارج العلبة المألوفة أومن ذلك الطراز الذي تحدث عنه معروف البخيت يوما عندما قال: بعد اليوم الثاني من عملك كرئيس للوزراء وفجأة تنطفىء الأضواء في مكتبك وتنتشر العتمة وتشعر وأنت في حالة عميان بصري بأشياء وكائنات تحاول عرقلتك او التشعبط على سروالك وبين رجليك وفوق أكتافك ... كل ذلك يحصل في غرفتك الرئاسية وأنت لا تراه ومباشرة بعد التطبيل والتزمير لك في اليوم الأول بإعتبارك المنقذ.
..هذا تحديدا ما حصل مع الرجل- نقصد البخيت- عام 2007 عندما زورت الإنتخابات العامة من وراء ظهره وبدون أن يدري مما إضطره للأعتراف علنا قائلا: الإنتخابات زورت في غرف العمليات ويبدو أن وزير الداخلية في حكومتي له علاقة بالأمر بدون علمي.
نفس الأوساط لم تتخيل يوما أن رئيسا بولاية عامة حقيقية يمكن أن تلده الأردنيات فعلا، ولم تتخيل أن لجنة برلمانية تقرر ولأول مرة إستدعاء رئيس الحكومة بصفته وزيرا للدفاع فيوافق الرجل كما فعل الرئيس الحالي عون الخصاونة.
لكن نحن الذين لا نقدر حجم الخسائر التي ستطالنا لو أصبح الإصلاح حقيقيا بمعنى عشنا مع رئيس حكومة بولاية عامة ينبغي ان لا نصدق بأن مسألة الإصلاح بالنسبة لبعض الموظفين ما زالت لعبة لشراء الوقت ليس أكثر .. كثيرون في أوساط القرار في عمان لم تصلهم بعد أخبار الربيع العربي ولا كيف إختلفت الأمور.
المخضرم عبد الهادي المجالي قال لي يوما: طبقة رجال الدولة والموظفين عندنا منقمسة إلى فئتين الأولى تعرف الإصلاح وتعاكسه قصدا لإنه يمس بمصالحها, والثانية لا تعرفه فعلا ولا تعرف كيف يكون المرء إصلاحيا . يرحب البعض بسذاجة بإنحسار وذوبان بعض مظاهر الحراك السياسي المنظم، ولا تكاد إبتسامة المغامرين من خصوم الإصلاح تظهر بسبب الإنحسار المفترض حتى يفاجأ المواطنون الجميع وبدون إستثناء بسلسلة لا متناهية من الحراكات المطلبية والمعيشية التي بدأت تعطل الحياة العامة.
ولا أحد يقول لنا كأردنيين ما هي الفوائد والعوائد الناتجة عن مرمغة أنف الولاية العامة في التراب مجددا وتواصل الإعتداء عليها.
في نفس هذا المنبر وبعد خمسة أيام على تشكيل حكومة الرئيس عون الخصاونة أملت على الرجل بأن لا يقبل بمهمة{شطف الدرج}.. الان إنهم أنفسهم يزحلقون الرجل وحكومته عن الدرج ... بصراحة لو كنت مكانه لقفزت فوق السلم منفردا وزحلقت نفسي بنفسي.
.. أما آن لنا كأردنيين أن ننتقل فورا إلى مستوى الرشد الدستوري واللعب النظيف.