يوسف الكويليت

لسنا بلون واحد، شعب لديه ثروات هائلة ينفقها على المظاهر والسفر والمشتريات للسلع المكلفة كتقليعة نقلد بها غيرنا، وننسى الأرقام التي تصرف على الصحة والتعليم والصناعة وكل البنية العامة والأساسية، وبجانب هذا كيف يتعاطى الشباب من الجنسين مع وسائل الاتصال الاجتماعي، وكل معرض كتاب يعرض في مدننا تسجل مشتريات المواطنين رقماً لا يوجد في دول أكثر بتعداد سكانها، ولم يأت هذا الإقبال على القراءة مجرد ترف، وإنما تواصل مع الثقافات العالمية وبحافز ذاتي بحت، وكذلك سياسة الابتعاث وتأسيس جامعات تجاوزت ما سجلناه خلال نصف قرن بعدة سنوات..

الجنادية ومهرجاناتها لم تأت لتكون دعاية مضخمة، وإنما حشد علمي وثقافي وتراثي عشناه منذ سبعة وعشرين عاماً، وكل عام تتطور، سواء بضيوفها، أو المدعوين لها، وخادم الحرمين الملك عبدالله الذي بدأ التأسيس والرعاية أراد أن يكون جمع نخب المجتمعات العربية والعالمية في هذا المهرجان صورة للإخاء والصداقات وتبادل الأفكار والآراء دون حواجز، أو تضييق على أي محاور ومتكلم..

رعايته لمهرجان هذا العام، وبظروف ومتغيرات عربية وأزمات عالمية مادية وبأن تكون كوريا الجنوبية ضيف شرف تمثلت برئيس دولتها وبحضور أكثر من ثلاث مئة مدعو من كل مناطق العالم، يؤكد أن شخصية الملك عبدالله التي اتخذت حوارات الأديان والحضارات إلى جانب الحوار الداخلي، نموذجاً لإنسان يدرك أن العالم مهما تعددت قومياته واتجاهاته وفواصله الجغرافية، يعيش في كوكب واحد، ويريد تأسيس سلام عالمي تزول فيه التباينات المختلفة ومخلفات الحروب، وكل ما أحدثته الأزمنة الماضية من ويلات..

في المملكة عشنا فقرنا وثراءنا بثوابت لم تتزعزع، أي أننا نموذج العربي الحقيقي بتطلعاته وشهامته وروحه القومية، وفي منبت الإسلام ومقر الحرمين الشريفين، ونسعد أن نكون، وبلا منة أو كبرياء، المانح الأكبر في المنطقة وخارجها، وضد أي موقف لا يراعي المصالح العربية والإسلامية، وفتحنا أبواب صداقتنا بدون تمييز، إلا من أنكر الحق الفلسطيني، أو عارض نهجنا واستقلالنا، واعتدى أو تطاول على أمتنا أو عقيدتنا..

جنادرية هذا العام تجري بإلغاء (الأوبريت) والمظاهر الأخرى تضامناً مع الشعب العربي في سوريا الذي يواجه الإبادة والحرب المعلنة من قبل نظامه، والمناسبة تؤكد تعاطف الحضور ومَنْ يمثلونهم من كل الأعراق والطوائف، لأنه ليس من البطولة أن يتوجه الجيش وقوات الأمن لقتل المواطنين، حماية لنظام استهلك نفسه من خلال قهره للمواطن وإعاقة تمتعه بحريته وكرامة وجوده وتقدمه..

وعموماً؛ المناسبة التي تتكرر كل عام، فرصة لأن نواجه نواقصنا وعجزنا ونفهم كيف نفتح النوافذ لإدخال العلوم والثقافات والحريات لكل الشعوب، وأننا في منطقة تبحث عن دورها الإنساني وحضارتها التي أسهمت في التقدم البشري، وأن جيلاً قادماً سيأخذ المسؤوليات ويضع نفسه في مسار العالم المتقدم علماً، وسلماً..