موسكوrlm; -rlm; سامي عمارة
يحار المراقبون في موسكو أمام تفسير الأهداف الرئيسية لزيارة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية لدمشق وتعمد الرئيس ميدفيديف تكليف ميخائيل فرادكوف مدير المخابرات الخارجية لمرافقته في لقائه مع الرئيس السوري
في توقيت تتواصل فيه انتقادات الكثيرين في الساحتين الاقليمية والعالمية للجوء موسكو الي استخدام حق الفيتو في مجلس الامن الدولي لاحباط مشروع القرار العربي ـ الغربي.
ولعله من سخرية القدر واللحظة في آن, ان يتفق توقيت ايفاد الرئيس دميتري ميدفيديف لمبعوثي موسكو للعاصمة السورية في السابع من فبراير الجاري مع موعد زيارة مبعوثه الخاص الكسندر سلطانوف في الثامن من فبراير من العام الماضي للقاء الرئيس المصري حسني مبارك قبل يومين من رحيله عن منصبه. ورغم ما قيل آنذاك حول ان مبعوث ميدفيديف لم يفاتح مبارك في مسألة التنحي واكتفي بالاعلان عن دعمه وتاييده, فان انقساما يتبدي بين اوساط المراقبين حول المدي الذي يمكن ان يذهب اليه لافروف في مباحثاته مع الرئيس السوري بشار الاسد, وما اذا كانت المهمة تنسحب علي محاولة اقناعه بالرحيل وتفويض نائبه بصلاحياته سبيلا الي احتواء الموقف وانقاذ ما يمكن انقاذه مما بقي من وقار ومكانة لموسكو في الساحتين العربية والعالمية وهي التي عاشت ورأت أعلامها تحرق وسفاراتها تقتحم في عواصم بلدان صديقة مثل دمشق وطرابلس. واذا كان يفجيني بريماكوف احد اهم خبراء الشئون العربية ورئيس الحكومة الاسبق استبعد في تصريحاته لـ الأهرام ان تطرح موسكو فكرة رحيل الاسد في هذا التوقيت وقال بـ ضرورة منحه الفرصة اللازمة لتنفيذ ما اعلنه من اصلاحات وقالت مصادر دبلوماسية ان موسكو مدعوة اليوم واكثر من أي وقت مضي الي استعادة زمام المبادرة والعمل من أجل اقناع المعارضة بالعودة الي فكرة الجلوس إلي ممثلي الحكومة التي سبق ووافقت عليها قبل مناقشة القضية في مجلس الامن وإن قالت مصادر قريبة من المجلس الوطني السوري لـ الأهرام ان المتغيرات الاخيرة تدفع المعارضة الي التراجع عن قبول اقتراحات موسكو التي قال انها تخدم الاسد اكثر, بما يعني ضمنا استمراره في الحكم إلي حين اشعار آخر. وثمة من يقول ايضا أن موسكو ليست علي يقين من مصداقية التطمينات التي اعلن عنها برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري حول الحفاظ علي مصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية في سوريا.
والمحت المصادر إلي مخاوف موسكو من فقدانها لما قد يكون آخر موطئ قدم لها في الشرق الاوسط علي ضوء احتمالات تحول غليون بعيدا عن روسيا صوب الغرب معيدا الي الاذهان ما صادفته وتصادفه موسكو من عراقيل خلال محاولاتها اقناع المجلس الانتقالي الليبي بتنفيذ عقودها الموقعة مع النظام الليبي السابق بعد ان تلكأت في الاعتراف به وتمسكت طويلا باهداب نظام العقيد الليبي معمر القذافي. وكانت وزارة الخارجية الروسية استبقت زيارة لافروف لدمشق ببيان قالت فيه ان موسكو تستهدف بهذه الزيارة الدفع من اجل تطبيق اصلاحات ديمقراطية سريعة وان روسيا سوف تسعي بقوة الي تحقيق استقرار سريع في الاوضاع في سوريا من خلال التطبيق السريع للاصلاحات الديموقراطية الملحة.
وكشف سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية في ختام مباحثاته مع نظيره البحريني عن ان الجانب الروسي طلب ارجاء التصويت في مجلس الامن الدولي علي مشروع القرار العربي ـ الغربي لبضعة أيام إلي حين عودته ومدير المخابرات الخارجية من زيارة دمشق موسكو الا ان الشركاء الاخرين تجاهلوا الطلب وتعجلوا اتخاذ قرارهم وهو ما اعتبرته موسكو عدم احترام واضح علي حد تعبيره. واشار لافروف إلي أن بلاده تري انها اتخذت القرار الصحيح مؤكدا انها لا تنوي التراجع عنه. وقال انه يعتقد في وجود القوي التي تريد تغيير النظام في سوريا وعرقلة عملية الاصلاح من خلال استخدام المجموعات المتطرفة للقوة الي جانب مواصلة دعوة المعارضة الي الامتناع عن الحوار مع ممثلي السلطة هناك. واعاد الوزير الروسي إلي الأذهان موقف بلاده الذي يتلخص اليوم في رغبتها في استمرار تنفيذ مبادرة الجامعة العربية. وقال بوجود من يحاول ايضا استمالة مجلس الامن الي الانجرار الي حرب اهلية الي جانب احد اطراف النزاع القائم هناك.غير ان هناك ايضا من يقول في موسكو بخطأ ما اقدمت عليه موسكو من استخدام لحق الفيتو في مجلس الأمن علي اعتبار ان ذلك افقدها الكثير من اوراقها التي كان يمكن استخدامها لدي استضافتها للحوار بين ممثلي الحكومة والمعارضة السورية في العاصمة الروسية. وقالت المصادر انه كان من الاجدي والانجع ان تمتنع موسكو عن التصويت بما كان يمكن معه الاحتفاظ بكل قنوات الاتصال مع كل الاطراف المحلية والعالمية. ويطالب انصار هذا الرأي موسكو بالعمل من اجل اقناع الاسد بالنزول علي الكثير من مطالب المعارضة بما يجنبه وموسكو احتمالات المزيد من العزلة الدولية وبما يكفل له ولها الابقاء علي المؤسسات الرسمية التي تمثل نظامه ولاسيما المؤسسة العسكرية التي ترتبط بها الكثير من المصالح الروسية. غير ان هناك فريقا ثالثا يقول بضرورة ان تنفض موسكو يديها من نظام الاسد وان تعمل من اجل اقناعه بالرحيل في اطار تغير نوعي قد يسمح لها بالمساومة حول الانتقال السلمي للسلطة بموجب خطة طريق مرحلية يتفق حولها مع كل اطراف الساحة بما في ذلك تركيا وايران والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وبما قد يسمح لاحقا لها بتحقيق العديد من المكاسب الذاتية لروسيا.واذا كان لافروف استبق الزيارة بالتاكيد علي انه ليس من مهام موسكو تحديد أي الانظمة تبقي وايها ترحل, مشيرا الي ان الأمر لا يتعلق بأن الاسد صديق لنا او أخ او قريب.. وان موسكو لا تدافع عن بشار الأسد بل عن القانون الدولي, فإنه ينسي او يتناسي ان روسيا سبق واوفدت يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الاسبق الي الرئيس العراقي صدام حسين تطالبه بالتنحي قبيل الغزو الامريكي للعراق في عام.2003 كما انها سبق وطالبت بتغيير الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي اعلن الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف ومن قبله سلفه فلاديمير بوتين باستحالة التعاون معه وهو ما كان ضمن الكثير من ملفات الحرب بين البلدين في اغسطس2008. ونسي لافروف و تناسي ايضا ما سبق وقاله الرئيس دميتري ميدفيديف حول ان الاسد مدعو الي تنفيذ الاصلاحات أو الرحيل في تحذير مباشر من مغبة التباطؤ المتعمد لتنفيذ ما سبق واعلنه الأسد من اصلاحات, كما كان اتفق مع رفاقه من رؤساء البلدان الثماني الكبار في صيف العام الماضي حول ان القذافي فقد شرعيته وان عليه الرحيل. ومن هذا المنظور توقع الكثيرون ضغط الجانب الروسي في اتجاه اقناع الاسد بالنزول علي الكثير من مطالب المعارضة وقبول الانتقال السلمي للسلطة بموجب خطة طريق قد يستهلها بما نص عليه مشروع القرار الاخير لمجلس الامن الذي احبطته موسكو وبكين حول سحب القوات المسلحة من المدن والقري والافراج عن المعتقلين والبدء الفوري في تنفيذ ما اعلنه من اصلاحات.وذلك في اطار ضرورة مراجعة الذات املا في الحفاظ علي المصالح الروسية ومن منطلق صعوبة الاستمرار في علاقات متوترة مع كل من الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الاوروبي وغالبية البلدان العربية وفي محاولة لاستباق تشكيل جبهة اصدقاء سوريا التي دعت اليها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية خلال زيارتها الاخيرة لبلغاريا وهو ما كان دعا اليه ايضا الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل بما يعيد الي الاذهان مجموعة دول الاتصال التي سبق وتشكلت لدعم ليبيا.وحتي ذلك الحين تظل الانظار معلقة بما دار وراء الابواب المغلقة في دمشق التي باتت مدعوة الي حسم الكثير المحوري في علاقات روسيا مع بقية بلدان المجتمع الدولي من جانب, وحلحلة الامور علي صعيد انفراج الازمة والتحول نحو الحوار والبدء في الاصلاحات من جانب آخر.
التعليقات