عدنان حسين
يبدو أن أفضل مَخْرجٍ ممّا يعرف الآن بأزمة طارق الهاشمي أن يقدم نائب رئيس الجمهورية استقالته ويسلّم نفسه إلى القضاء، فهذا المخرج يفضي إلى تحقيق مصالح الجميع سواء بسواء: السيد الهاشمي نفسه، وائتلاف quot;العراقيةquot; الذي يشارك في زعامته، والسلطة القضائية، والعملية السياسية، والعراق وطناً وشعباً.
من السليمانية أطلق الهاشمي سيلاً من التصريحات التي ينفي فيها التهم الموجهة إليه بالتورط في أعمال الإرهاب، وفي الكثير منها شدّد على أن العراقيين يعرفون التاريخ الوطني له ولعائلته وانه بالتالي لا يمكن أن يكون له ضلع في أي عمل ذي بعد إرهابي أو طائفي.
الآن قضية الهاشمي تهدّد الوطن بأسره، وما لم يسلّم نفسه إلى القضاء فمن الممكن أن تؤدي قضيته إلى سفك دماء وإزهاق أرواح لعراقيين أبرياء في أعمال عنف ذات طابع سياسي مرة وطائفي مرة أخرى وعشائري مرة ثالثة.
الوطنية تعني في ما تعني أن يقدّم المؤمن والمتمسك بها مصالح الوطن والشعب على مصالحه الشخصية والحزبية. والوطن والشعب موضوعان الآن في محنة: طارق الهاشمي متهم بالإرهاب وهو ينفي. والمنطقي أن يؤكد براءته أمام القضاء، لكنه ملتجئ إلى الكرد رغماً عنهم ويطالب بنقل التحقيقات القضائية إلى الإقليم أو إلى كركوك، وهذا ما رفضه مجلس القضاء الأعلى الذي لم يجد مسوّغاً للنقل.
إذا كان الهاشمي حقاً وصدقاً بريئاً فان الجهة الوحيدة التي ستثبت ذلك وتؤكده هي القضاء. وإذا كان خائفاً من تسييس القضية فان ثمة الكثير من العراقيين لديهم نفس الخوف والهمّ، ليس فقط من حزبه وائتلافه وعشيرته وإنما أيضا منا نحن المثقفين الذين ننظر إلى قضية الهاشمي باعتبارها إحدى القضايا المفصلية لتأكيد أو نفي استقلالية السلطة القضائية وحيادها ونزاهتها، ولتأكيد أو نفي ما إذا كنا ماضين باتجاه الانتقال إلى النظام الديمقراطي الذي نريده أو أننا سائرون في الاتجاه المعاكس.
على هذا فان قضية الهاشمي، لم تعد قضيته وحده وقضية حزبه وائتلافه وعشيرته وطائفته.. إنها قضية العراق كله. يمكن للهاشمي أن يجنّد مئات المحامين لإثبات براءته إن كان بريئاً، ونحن جميعاً سنكون شهوداً على ما سيجري معه، فان كان بريئاً فعلا سندعم موقفه وسيكون لنا موقف حازم وصارم من القضاء إذا تصرف على نحو غير مستقل وغير محايد وغير شفاف، وسيكون لنا موقف حازم وصارم هو الآخر تجاه السلطة التنفيذية إذا ظهر لنا أنها تضغط لحرف القضاء عن استقلاليته وحياده وشفافيته.
أما إذا كان الهاشمي مذنباً وحكم عليه القضاء بما يستحقه عن ذنبه، فلن نتردد عن التصفيق لقضائنا والإشادة به لترسيخ قوته، فهو ضمانتنا الوحيدة للتمتع بحقوقنا وممارسة حرياتنا الخاصة والعامة.
السيد الهاشمي: استقل من منصبك فوراً كما يفعل كل المسؤولين الحكوميين في العالم عندما يكونون متهمين، وسلّم نفسك إلى القضاء إن كنت بريئاً حقاً، أو تصرّف كما يتصرف الضباط البواسل في ساحات الوغى لتفادي الاستسلام للعدو.. أي أن تنتحر، ففي انتحارك مخرج آخر لتفادي الأضرار بمصالح الشعب والوطن.
التعليقات