سليمان إبراهيم الخضاري
عندما ترى جميع الأطراف تتغنى بمفردات معينة، بينما يبدو أن سلوكها يتعارض مع ما تنادي به، فالتفسير واحد من اثنين، إما أننا أمام حالة من النفاق السياسي المعتاد، أو أننا نعاني فعلا من أزمة مفاهيم ضاربة بجذورها في أعماق ممارساتنا السياسية والمجتمعية!
أحد تلك المفردات أو المصطلحات شائعة الاستخدام، خصوصا في المواسم الانتخابية، هو مصطلح laquo;الوحدة الوطنيةraquo;، هذا المصطلح الذي لا يكاد يخلو نشاط سياسي من ترديده أو ترديد أشباهه، لكن المثير للانتباه دوما هو أن هذا المصطلح يردده الجميع، من مختلف ألوان الطيف السياسي، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بينما لا يترجم هذا الشعار في عمل هذه المجاميع السياسية نفسها بشهادة الكثيرين.
المشكلة كما تبدو لي متعلقة بثقافتنا السياسية التي أضحت تكتفي بشعارات عامة وعناوين فضفاضة دون الخوض في تفاصيل تلك العناوين، فعندما يتحدث البعض عن laquo;لا فرق بين بدوي وحضري، أو سني وشيعيraquo; وتنطلق صيحات الاستحسان وموجات التصفيق الهادرة، ومن ثم يختتم الحفل على عودة كل طرف إلى جمهوره الخاص الذي يمارس التقسيم والإقصاء بأبشع صوره، عندها لا أعتقد أننا حققنا شيئا، في أحسن الأحوال بالطبع!
أقول كل هذا، وأنا خارج للتو من إحدى الاحتفاليات المقامة لتأكيد مفهوم الوحدة الوطنية، ولا أخفيكم، فبينما أقدر للمنظمين هذا الجهد، لكنني شعرت بالملل بعد دقائق قليلة من بدء فعاليات الحفل، إذ انني أعتبر نفسي من الجيل الذي تشبع بالخطابات العاطفية منذ نعومة أظفاري، ولكن هذه الخطابات التي لا تعدو كونها أشبه بالبكائيات أو المراثي التي تستدعي إرثا تاريخيا من التعايش والتكافل بين شرائح المجتمع لم يعد موجودا للأسف، أو على الأقل انخفض إلى أدنى درجاته، أقول إن هذه البكائيات لن تساهم حقيقة في معالجة أسباب أزمة الاحتقان الطائفي والفئوي في الكويت، لأنها كما يبدو تتحرج من التطرق للتفاصيل المعنية.
التفاصيل التي أعنيها هي تلك المتعلقة بماهية هذه laquo;الوحدة الوطنيةraquo;، التي يبدو أن البعض بدأ في الترويج لها بعد سقوط مصطلح laquo;الوحدة الاسلاميةraquo;، وعن أي شيء بالضبط نتكلم عندما يتحدث السلفي والاخواني والشيعي الاسلامي والليبراليون وغيرهم عن laquo;الوحدة الوطنيةraquo;، هل هي الشيء نفسه؟ وما دور السلطة في تقويتها أو إضعافها؟ وما دورنا نحن كأمة وشعب بمختلف توجهاتنا في تعزيزها أو القضاء عليها؟
كل هذا أقوله تماشيا مع الجو العام، للأسف، لأنني بصراحة لا أفهم ما المقصود بـ laquo;الوحدة الوطنيةraquo;، وأفضل استخدامها بمصطلحات أكثر دقة، كالتعايش السلمي وكفالة الحريات العامة والخاصة، ففي ظل نظام يرعى هذه الأمور لن نحتاج بكائيات جديدة تذكرنا بماض لم يعشه الكثيرون منا، ولن يفهمه أطفالنا للأسف!
- آخر تحديث :
التعليقات