يشعر أنصار laquo;التيار الإسلاميraquo; بنشوة نصر كبيرة قبل التشريعات المقبلة في الجزائر، ولا تخفي زعاماتهم احتفاءها بـ laquo;الظرف الإقليميraquo; الذي أتاح الغلبة لأحزاب إسلامية في تونس ومصر والمغرب، بيد أن معسكراً آخر ما زال يروج لفكرة laquo;الاستثناء الجزائريraquo; القائم على عاملين: التجربة الأليمة المرتبطة بالإسلام السياسي، ومشاركة الإسلاميين في laquo;إستراتيجية النظامraquo; الذي يتهمونه اليوم بالفشل.
وتتوزع قاعدة laquo;الإسلاميينraquo; الحزبية، على ستة تشكيلات تتقاسم المرجعية وجميعها أقرب إلى laquo;الإخوانraquo; وأبعد عن laquo;السلفيةraquo;، ويرى مراقبون أن الأحزاب الستة، ليست سوى عملية استنساخ لبعضها بعضاً، تسبب بها نهج laquo;أليمraquo; من الإنقلابات الداخلية، باستثناء laquo;حركة مجتمع السلمraquo; التي تحاول احتكار وصف laquo;إخوان الجزائرraquo;.
ولكن laquo;مجتمع السلمraquo; هي التي laquo;أنجبتraquo; حزب laquo;جبهة التغييرraquo; الذي يتزعمه عبدالمجيد مناصرة، إثر صراع طويل بين فريقين، مثلت فيه مجموعة مناصرة خيار laquo;المعارضة هي المكان الطبيعي للحركةraquo; احتجاجاً على مشاركتها في تحالف رئاسي استمر ثماني سنوات، فيما ولدت laquo;حركة الإصلاح الوطنيraquo; التي يقودها حملاوي عكوشي من رحم laquo;حركة النهضةraquo; التي آلت قيادتها لفاتح ربيعي، وجاءت الحركة الجديدة لعبدالله جاب الله laquo;جبهة العدالة والتنميةraquo;، نتاج تجارب الرجل عبر laquo;النهضةraquo; وبعدها laquo;الإصلاحraquo;، وخرج جمال بن عبد السلام من حركة laquo;الإصلاحraquo; ليؤسس laquo;جبهة الجزائر الجديدةraquo;.
وتنسبraquo; جبهة العدالة والتنميةraquo;، وlaquo;جبهة التغييرraquo; وlaquo;جبهة الجزائر الجديدةraquo;، لحزمة الأحزاب السياسية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة الجزائرية، بعد عزوفها عن قبول الأحزاب منذ وصول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لرئاسة البلاد، وما كانت على الأرجح، أن تقبل لولا احتجاجات شعبية عارمة عمت الجزائر مطلع 2011، اضطرت معها الحكومة الجزائرية لإحداث تغيير في المشهد السياسي، اختلفت الآراء حوله بين تعريفه بـlaquo;تغيير جذري وبين مجرد تجميل للواجهةraquo;، بداية من إلغاء حالة الطوارئ التي كان تتحجج بها الحكومة في رفض اعتماد أحزاب جديدة، إلى إطلاق تعديلات على قوانين عضوية تتعلق بالممارسة السياسية.
وتمددت تأثيرات laquo;الربيع العربيraquo; إلى نقاش في الجزائر حول laquo;حظوظ الإسلاميينraquo; بعد سنوات أعطي خلالها انطباع أن شكل التحالفات القائمة في الجزائر، سيعمر طويلاً، وفق أحكام بنيت على نتائج تجربة فترة التسعينات التي بلغت فيها الجزائر حدود الإنهيار، فبرز توجه واضح داخل منظومة الحكم بإشراك ثلاثة تيارات في إدارة شؤون البلاد، ضمن معادلة لصيقة بالمرحلة الإنتقالية التي لا تزال تعيشها الجزائر وتعتمد مبدأ laquo;التوازناتraquo;.
وعمدت السلطة الجزائرية بدعم مطلق من نخب ليبرالية إلى تحييد الرموز الدينية (المساجد) عن الممارسة السياسية، وأشركت laquo;إسلاميينraquo; في تسيير الشأن العام، وجاء قبول المشاركة، إما تحت مبرر laquo;إنقاذ الجمهوريةraquo; أو laquo;دعم المصالحة الوطنيةraquo;.
laquo;إخوانraquo; الجزائر...
من السلطة إلى المعارضة
تبدو laquo;حركة مجتمع السلمraquo; أشبه بـ laquo;الجسم الغريبraquo; بين باقي الأحزاب الإسلامية المعتمدة، بحكم أنها laquo;الوافد الجديد إلى معسكر المعارضةraquo;، وفي الوقت نفسه تشارك في الحكومة بأربعة وزراء، وتحرص الحركة تحت قيادة أبو جرة سلطاني، على وضع سقف لانتقاداتها منظومة الحكم عند ما دون الرئيس بوتفليقة، وعدا ذلك، تسوق الحركة لخطاب شديد اللهجة منذ طلقت laquo;التحالف الرئاسيraquo; في كانون الأول (ديسمبر) الماضي فقط، ما جعلها عرضة لاتهامات غير منقطعة من دوائر علمانية تصفها بـ laquo;الانتهازيةraquo;.
وما انفك زعيم laquo;إخوان الجزائرraquo; أبو جرة سلطاني، في تقديم حزبه على أنه النسخة الجزائرية لما حققته النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب، والإخوان في مصر. ويتوقع سلطاني ألا يتوقف هذا التشابه عند مجرد المرجعيات، بل أن يمتد إلى مقاعد البرلمان المقبل.
ولأن حركة مجتمع السلم، ظلت لسنوات إحدى المراكز المستهدفة في خطاب المعارضة، فإن قراءات laquo;تتوجسraquo; من قرارها الخروج من laquo;تحالف رئاسيraquo; جمعها لسنوات مع حـــزبي السلطة، جبهة التحرير الــوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، ودخولها مباشرة في تحالف جديد سمي laquo;تكتل الجزائر الخضراءraquo;، يجمعــها بـlaquo;حركة النهضةraquo; وحركة laquo;الإصلاحraquo;، وشخصيات مستقلة.
ويراهن التكتل الجديد على خطاب laquo;التغييرraquo;، ويحاول قادته إبعاد تهمة laquo;المشيخةraquo; التي هدمت جميع محاولات التوحد في السنوات الماضية. لكن سرعة نشأته (التحالف) طرحت تساؤلات، عما اذا كان مجرد تحالف إنتخابي، أم انه عملية laquo;احتيالraquo; على أحلام laquo;تيار إسلاميraquo; تاه وتشرذم لسنوات طويلة، لأسباب من نتاجه هو أحياناً، أو من نتاج قوى تهيمن على الحكم في الجزائر، حيث تعاني الأحزاب الإسلامية أزمة laquo;المشيخة الكاريزماتيةraquo;، وأيضاً من مشاكل تنظيمية وهيكلية، مقابل تقدم الأحزاب القومية والديموقراطية المشاركة في السلطة أوخارجها. ويحوز حزب جبهة التحرير الوطني، على غالبية مقاعد البرلمان، وتتولى إطاراته أهم المناصب الوزارية والإدارية، ويشاركه الحكم، التجمع الوطني الديموقراطي.
وتؤمن مجموعات معارضة بأن خيار مجتمع السلم، ربما، وراءه محاولة احتواء laquo;التيار الإسلاميraquo; الذي انتشى بفوز نظرائه في الجوار، والعودة مجدداً إلى قبة البرلمان في ثوب معارض يحترم laquo;المواد الدستورية الصماء والنظام الجمهوري للدولةraquo;، وحينها لن تكون الحكومة الجزائرية في حرج من إعلان laquo;غالبية غير مريحةraquo; للتيار الإسلامي في برلمان يتوقع أن يكون laquo;فسيفساءraquo; أحزاب لا يملك فيه أي طرف laquo;الغالبية المريحةraquo;.
ويصف أحميدة عياشي، المتابع للحركات الإسلامية الجزائرية، التحالف الإسلامي بـlaquo;الهشraquo;، موضحاً رؤيته بناء على تجارب سابقة، قائلاً: laquo;لقد أثبت الإسلاميون من خلال التجارب السابقة، بأنهم لا يملكون ثقافة التحالف الذي يقوم على أسس إستراتيجيةraquo;، ويتحدث عن laquo;حرب زعاماتraquo; قائلاً: laquo;الأنا، متضخَمة عند القيادات الإسلامية، ما تسبب في فشل كل محاولات التحالف سابقاً. وقد جرت خطوة في اتجاه تشكيل تكتل بإشراف رابطة الدعوة الإسلامية، لكن ذهبت أدراج الرياح عندما اقترب موعد انتخابات 1991 حيث خرج عباسي مدني في حينها إلى العلن، وقال لا توجد إلا راية واحدة، هي راية الجبهة الإسلامية للإنقاذraquo;.
جدلية فوز الإسلاميين
وتبدوالصورة مكتملة، اذا اعتمدنا عودة سعد عبدالله جاب الله، رئيس laquo;جبهة العدالة والتنميةraquo; للنشاط السياسي الى المشهد العام، وصور جاب الله في السنوات الماضية، عودته للساحة السياسية بـlaquo;الصعبةraquo;، قياساً بما كان يسميه : laquo;لقد أوغروا صدر بوتفليقة بكلام غير صحيح عنيraquo;، وينعت الرجل بالورقة المهمة ضمن معادلة laquo;الإسلاميينraquo; في التشريعات، حيث يحظى بعامل عدم مشاركته في الحكم، ووصفه بالقيادي الإسلامي الذي laquo;تعرض لإضطهادraquo; في حزبيه السابقين، النهضة والإصلاح، ما يجعل حزبه، بعيداً حتى عن البرامج السياسية، متمتعاً بصفة laquo;البديل المطروحraquo; الذي لم يدخل laquo;إستراتيجية النظامraquo;.
لكن عودة جاب الله الى الساحة السياسية، وعودة جدلية laquo;الإسلاميين والليبراليينraquo; من خلال سجال لم يتوقف لأسابيع، تحيل إلى قراءات أكبر من مجرد laquo;لعبة تياراتraquo;، فالحكومة الجزائرية منهمكة في حملة ترويج غير مسبوقة لضرورة التصويت، وتخشى من مقاطعة كبيرة للجزائريين، قد تكون حكماً نهائياً منهم، يحيل الى ضرورة إحداث تغيير جذري. وفعلاً جلب السجال عن حظوظ الإسلاميين، اهتمام الشارع الجزائري، بعد أن غذته تصريحات مسؤولين في الحكومة بلغة صدامية، انخرطت فيها أحزاب ليبرالية، تباينت بين اتهامات بمحاولة laquo;ركوب الموجةraquo;، وبين حملة تشكيك، حول رسائل من عواصم غربية تحدثت عن قبولها بالتيار الإسلامي في المعادلة السياسية القادمة إذا أفرزت الصناديق فوزه.
وتتهم أحزاب علمانية دولاً عربية وغربية بمحاولة تكرار تجارب تونس ومصر والمغرب في الجزائر، وشـــرعت في تبني خطاب يشكك في مصـــادر تمويل حملات الأحزاب المعنية، وبنت حججها على لقاءات بين زعامات تلك الأحزاب وديبلوماسيين غربيين. وكان رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، التقى سفيرة كندا بالجزائر وعدداً من السفراء، بينهم سفير الولايات المتحدة وبريطانيا وديبلوماسي بولندي.
والتقى رئيس حزب laquo;جبهة العدالة والتنميةraquo; عبدالله جاب الله، سفير الولايات المتحدة الأميركية والسفير الفرنسي، في مقر حزبه، وناقشا معه جملة من القضايا ذات الصلة بالشأن السياسي للجزائر والإصلاحات الراهنة ومدى إمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة في الجزائر، وحظوظ الأحزاب الإسلامية في الانتخابات التشريعية المقبلة، وقضايا الربيع العربي والتطورات الإقليمية.
وهاجمت قوى ليبرالية هذه المساعي بوصفها تعكس سعي سفارات غربية في الجزائر التقرب من أحزاب إسلامية، وجعلت من هذه الاتهامات وسيلة ضغط على الحكومة ومادة دسمة في خطابها خلال الأسابيع الأخيرة، جاء فيها أن laquo;هذه الإتصالات مؤشر على تحول في المواقف الغربية تجاه القوى الإسلامية، من خانة القوى المتطرفة، إلى خانة القوى التي يمكن أن تكون شريكة في المستقبلraquo;.
ويطرح أكاديميون في الجزائر، تنامي هذه الجدلية، ضمن فكرة laquo;الطعم الإنتخابيraquo;، باستعمال ورقة الإسلاميين لكسر ظاهرة العزوف، أكثر منها رغبة من النخب الحاكمة في ضمهم الى المشهد السياسي، وهناك قراءات بخروج حركة مجتمع السلم من التحالف الرئاسي، جزءاً من السيناريوات المقترنة بجلب الناخبين، في ظل وجود منافسين جدد يتمتعون بـlaquo;العذرية السياسيةraquo; في علاقتهم بالسلطة الجزائرية، وهي على الأرجح ربحت جولة من هذا الرهان، وربحت أيضاً ورقة أخرى في الجهة المقابلة تتمثل بدخول laquo;جبهة القوى الإشتراكيةraquo; الانتخلبات، وهوحزب ديموقراطي يوصف بـ laquo;المعارض التقليديraquo; كان قاطع انتخابات 2002 و2007.
التعليقات