عبد الاله بلقزيز

لم يَعُد أحدٌ من الخمسة الموقّعين على معاهدة ldquo;اتحاد المغرب العربيrdquo;، في قمة مراكش في السابع عشر من فبراير ،1989 موجوداً في موقع المسؤولية . جميعهم رَحَل، إمّا عن الدنيا (الملك الحسن الثاني، العقيد معمّر القذافي)، أو عن السلطة (الشاذلي بنجديد، معاوية ولد أحمد الطايع، زين العابدين بن علي) . لكنهم تركوا لأبناء المنطقة، التي حكموها، اتفاقاً للتعاون والاندماج حَمَلَ اسمَها . لم يكن المؤسسون الخمسة قوميين عروبيين، بالمعنى الايديولوجي الشائع، حين أطلقوا على اتحادهم اسم المغرب العربي كانوا، بمعنى ما، يمارسون وفاء مسؤولاً لتسمية أطلقتها الحركات الوطنية الثلاث على بلدانها، ردّاً على هضم كولونيالي فرنسي لشخصيتها الثقافية والتاريخية .

ما كان لأحدٍ أن يجادل في التسمية، لأنها ليست جديدة، ولأن المسألة لم تكن قد دخلت بعد في سوق المضاربات السياسية والايديولوجية، فالسجال - حينها - كان سياسياً وواقعياً، حول مشروع الاتحاد، وبرنامجه السياسي والتعاوني، وآليات عمله، ومدى ما ينطوي عليه - أو يغيب فيه - من إمكانات تنمية أطره المؤسسية للتكيف مع مطالب الشعوب، ومع قيم الديمقراطية، والعقلانية السياسية، والمؤسسية . . إلخ . أما هوية الاتحاد ودوله، فكانت موطن إجماع النخب السياسية الحاكمة، لأنها - بكل بساطة - هي كذلك ldquo;موضع إجماعrdquo; عند الرأي العام والنخب الاجتماعية بأصنافها كافة . ولم يكن يسع حكومات ذلك العهد - مع أنها لم تَحْظ بالشرعية الديمقراطية ولا خرجت من صناديق الاقتراع - أن تخترع لاتحادها الإقليمي هوية أخرى، لمجرد أن أنظمتها ليست قومية الهوى، فتغَامِرَ بوضع نفسها موضع تقابل مع شعوبها لا يمكن أن يأخذ نفسه إليه إلا كل فقير إلى حسّ المسؤولية السياسية .

ولقد فوجئنا بخبر عن وزير خارجية إحدى دول المغرب العربي يفيد أن الوزير إياه اقترح على زملائه، في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد، تغيير اسم الاتحاد بإسقاط صفة العربيّ عن المغرب، وأن زميلاً له من دول الاتحاد وافقه على الاقتراح، ولنا أن نتخيل إلى ماذا كانت الأمور ستصل، في هذه الساحة المغربية أو تلك، لو قُيّض لاقتراح الوزير أن يحظى بالموافقة . غير أن من لطف الله بنا أن صوت العقل في الاجتماع المذكور علا، فكانت نباهة وحزم وزير الخارجية التونسي، وقوة حجته، تكفيان لإعادة الكلام في المسألة إلى الرشد .

ولست هنا أسأل عمّا إذا كان يملك الوزراء أن يجبوا قرارات القادة وينسخوها بقرارات أخرى ارتأوها، فالجواب عن هذا في حكم البداهات . وإنما أسأل عما إذا كان الوزير ldquo;المجتهدrdquo; - في الاجتماع المغربي - قد أخذ تفويضاً بهذا الشأن الخطير من حكومته التي يفترض أنه يمثلها في اللقاء المذكور . إن كان قد ناقش الأمر - ابتداءً - في نطاق حكومته، وأخذ تفويضاً منها بأن يبدأ ويعيد في تسمية المسمى، فعلى حكومته أن تعلن ذاك، وتتحلى بالمسؤولية أمام الشعب، وممثليه، ورئيس الدولة . وحينها سيكون لها وللشعب أن يقول الرأي في ldquo;النازلةrdquo; . أما إن كان الوزير ldquo;اجتهدrdquo; لأسباب خاصة به - ثقافية، نفسية، سياسية - ولم يكن أخذ تفويضاً، فقد غرم حكومته بموقفه، وعلى حكومته أن تحاسبه على ما تقضي بذلك الأعراف الديمقراطية والمؤسسية .

في الأحوال جميعاً، لا يمكن لحدث مثل هذا أن يمرّ في أي بلد ديمقراطي، يحترم نفسه، دون وقفة محاسبة شاملة للحكومة تقوم بها المعارضة والرأي العام .

إن غلطاً يرتكبه وزير أمر في حكم الطبيعي والعادي من الأمور، وهو يغْتَفَر إن مَلَكَ المعني الشجاعة الأدبية فقدم الاعتذار للشعب أو البرلمان، أو إن نابت عنه حكومته في القيام بذلك . أما الصمت على المسألة وكأنها لم تكن، فلا يطمئن أحداً على حسن الأداء غداً .

الوزير ldquo;المجتهدrdquo; أخطأ، والوزير التونسي الذي لم يجتهد أصاب، لأنه - ببساطة - احترم اسم اتحاد لا يملك تعديله إلا الشعوب، والتزم موقعه - وحدود موقعه - كوزير ينفذ السياسات العليا لدولته . ومع أن إثارة موضوع خطير مثل عروبة المغرب العربي مما لا يمكن قبوله من وزير حديث عهد بالدبلوماسية والمسؤولية، إلا أن الأمل أن تكون المسألة زلّة لسان، أو سوء تقدير شخصي، أو حتى هوى ايديولوجي خاص أساء اختيار مناسبة التعبير عن نفسه، وأن لا تكون سياسة رسمية لحكومة بلده، لأنها إن كانت كذلك، فهي بداية سيئة لهذه الحكومة سيكون لها - قطعاً - ما بعدها .