حسين قاسم

أحياناً تساهم الصدفة في افشال عملية اغتيال معينة، لكنها تنجح في أحايين. ان العديد من محاولات الاغتيال المشابهة لتلك التي تعرض لها رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع في حديقة مقره في معراب حصلت مع غيره، فقد جرى ما يشبهها قنصاً مع الجنرال شارل ديغول الذي تعرض في حياته لأكثر من 31 محاولة اغتيال فاشلة، كانت احداها عندما كان يلقي خطاباً في حشدٍ جماهيري، ففي الوقت الذي ضغط القنَّاص على زناد بندقيته، أتت للرئيس الفرنسي الراحل عطسة مفاجأة أنقذت حياته، رغم ذلك لم يمت قتلاً.
وعلى الرغم من وجود حالات مشابهة لمحاولة اغتيال الدكتور جعجع، لا ينفي ذلك ان المنفذين محترفون ونفذوا مهمتهم بدقة عالية، وهي تعتبر ناجحة بالمعيار التقني؛ اصيب الهدف اصابة مباشرة انما الصدفة حالت دون نجاحها العملي بشطب رئيس القوات من الحياة السياسية؛ ولو ان جهاز حمايته مخترق لكانت الطريقة مختلفة والنتيجة ايضاً؛ كذلك يبدو ان مراقبة تنقلاته بدت صعبة على مستهدفيه حيث لجأوا لاسلوب القنص لتنفيذ جريمتهم بديلاً من التفجير، مما يؤشر الى ان القرار بشطب شخصية وازنة في الحياة الوطنية اللبنانية قد اتخذ، والمنطق يقود الى توقع تكرارها؛ هنا يكمن الخطر الحقيقي، سواء على ما يمثله الدكتور جعجع أو على السلم الاهلي أو على وضعية ودور الحالة الاستقلالية والسيادية في لبنان، ولا سيما أن دوره ومواقفه الاخيرة تعدت الساحة اللبنانية الى المحيط الاقليمي.
بيد انه لا يمكننا فصل هذه الجريمة عن سائر الجرائم التي تعرض لها لبنان بزعمائه ومناضليه وقادة الرأي والفكر فيه منذ عقود؛ ولا يمكن النظر إليها سوى من زاوية المجال السياسي ذاته الذي ينتمي اليه الضحايا الشهداء كافة. فالحركة الاستقلالية التي تتمثل في قوى 14 آذار هي اليوم في خطر حقيقي لم تشهد له مثيلاً منذ انطلاقتها في العام 2005، فالشهداء الذين استشهدوا بُعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سقطوا في سياق الضغط لإفشال المحكمة الدولية من جهة، ومن جهة اخرى لالغاء مفاعيل ثورة الأرز وإعادة لبنان الى عصر هيمنة النظام السوري. أما حالياً، حيث يُستأنف الاغتيال باستهداف قادة الصف الأول في مرحلة تبدو فيها منطقة الشرق الاوسط في حالة ثورات تغييرية، لا سيما التأثير الهائل للثورة السورية على الوضع العربي عامة واللبناني خاصة، فهو يصبّ في خانة المقامرة بالمصير اللبناني برمّته.
والخطورة المشار اليها تدفع المرء الى المكاشفة الصريحة والتفكير بصوت عالٍ، لانه يُخشى الاستسهال في تقدير الموقف والاكتفاء في اخذ تدابير الحيطة والحذر وحصرها في الجانب الامني التقني على اهميته انما ليس هو الاهم، بل الاهم هو خسارة القضية والافراد معا. ان اعتماد مشروع سياسي جذري واضح يشكل حاضنة لمكونات الحركة الاستقلالية بقادتها وأفرادها وجمهورها، هو الرد الحقيقي على هذه الجريمة وغيرها من الجرائم.
وذلك ما يدفعنا للعودة الى البدايات لنجد ان انتفاضة الاستقلال الثاني التي انطلقت في اعقاب اغتيال الرئيس الحريري انما قبل ذلك كانت قواها تملك مشروعاً سياسياً واضحاً لا لبس فيه وهو تحرير لبنان من الهيمنة السورية وليس مشروع سلطة، حتى الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان مشروعه وطنياً لتحرير لبنان مما ساهم بانتصار ثورة الارز. لكن الذي حصل أنه منذ اليوم التالي للرابع عشر من آذار 2005 سيطر على السلوك العام لقوى انتفاضة الاستقلال الثاني استعجال في قطف الثمار بديلاً من استكمال مهام الثورة حيث دفعت الامور الى التحالف مع قوى الخصم في ما سُمّي التحالف الرباعي، ومنذ ذلك الحين برز المشروع السياسي لقوى 14 آذار وكأن هدفها المركزي هو استلام السلطة مع ما يفترض فيه من تقديم تنازلات جوهرية ترافقت ايضاً مع ابتزاز متتالٍ من قبل الخصم الذي يملك في المقابل مشروعاً جذرياً واضحاً، فيما ادارت قياداتها المختلفة الأذن الصمّاء للحرصاء على المسيرة السيادية ولم تزل، وقد كتبنا العديد من المقالات وخضنا النقاشات على المستويات كافة والتي تمحورت حول ضرورة اعتماد مشروع سياسي جذري يقوم على الكفّ عن فكرة استلام السلطة بأي ثمن وإعادة وصل ما انقطع مع قوى الرأي العام المدني، والتخلّي عن المحاصصة في العلاقة بين مكوناتها المختلفة، وصياغة توجهات تلبّي طموحات شباب الثورة الذين ملأوا الساحات نحو اعادة الثقة التي انخدشت بين قواها وجمهورها.
اما النقطة الرئيسية في المشروع السياسي المنشود، فهي وقف الوهم على تغييرٍ ما في قناعة الطرف الآخر سواء بمد اليد أو بتقديم التنازلات حتى لو كانت هذه التنازلات بدافع الحرص على السلم الاهلي والعيش المشترك لا سيما ان الطرف الآخر ما برح يفهمها تارةً خوفاً وتارةً ضعفاً.
وحده تبنّي مشروع سياسي قولاً وعملاً كفيل في تغيير قواعد اللعبة. وحده تبنّي برنامج عمل لتكوين ميزان قوى فعلي على الارض لصالح القوى السيادية مع ما يقتضيه الامر من مواجهة طويلة النفس مرفقة بآليات تنفيذية للمشروع السياسي، هو الذي سيجعل التدابير الامنية مفهومة سواء اقتضى الامر التخفيف من نشاط القياديين ام انتقل بعضها للمتابعة من الخارج، وعكس ذلك ستكون قوى ثورة الارز على مواعيد دائمة من الإحباط وسيكون للزهرة التي أنقذت ركناً اساسياً من اركانها وظيفة أخرى لا سمح الله