محمد خلفان الصوافي

يبالغ السياسة الإيرانيون في إثارة الخلاف مع دول الخليج العربي عموماً والإمارات بشكل خاص، الأمر يدعو للدهشة والاستغراب، باعتبار أن السياسات البعيدة عن الطرح المعتدل والتي تعمل على تعبئة الرأي العام حولها، لا تخدم علاقات الجيرة ولا تحقق حلولاً. علاقات الجوار تحتاج إلى مزاج سياسي عقلاني، لأن المسألة ممتدة بحكم الجغرافيا وبحكم التفاعل الإنساني.

وقد انزلقت السياسة الإيرانية منذ زيارة نجاد المستفزة لجزيرة أبوموسى مؤخراً إلى أكثر من موقف خلافي. وهذا السلوك يعطي الانطباع بعدم وجود رغبة إيرانية في حل القضية بطرق سلمية حتى على المدى البعيد. فاليوم مثلاً سيكون هناك حفل فني في طهران يحضره مجموعة من الفنانين الإيرانيين ليقدموا رسالة quot;فنيةquot; لدول الجوار يؤكدون فيها مدى حبهم للخليج quot;الفارسيquot;! وكانت إيران قد طرحت لعبة أطفال في الأسواق باسم quot;صرخة الحريةquot; في جزيرة أبوموسى قبل يومين... إن مثل هذه الممارسات لا تحمل حسن نية.

إن افتعال الخلافات هدفه تكريسها وتعقيدها أكثر، وشحن أجواء العلاقات بين الشعبين، وهو ما يضعنا أمام مفارقة التعامل مع القيادة الإيرانية، لأنها تنقل الخلاف إلى حالة خلاف تاريخي مستمر. ويمكن تفسير التصرف الإيراني الغاضب فيما يخص مواجهة القضايا الخلافية مع الجيران، من منطلق اهتمام القيادة الإيرانية بحساباتها الخاصة في لعبة السياسة الداخلية. فالنظام الإيراني يحاول إلهاء مواطنيه.

وعندما تغيب الأزمة مع إيران تنوب تصريحات مسؤوليها بإغلاق مضيق هرمز وإعلان مناورات عسكرية، وهذا دليل على أنها دولة تحتاج باستمرار إلى العيش بحالة توتر في المنطقة.

منذ قيام الثورة لم يفعل هذا النظام ما يخدم المواطن الإيراني سوى معاداة العالم. التهدئة تعني كشف حساب للسياسات المنتهجة خلال الثلاثين عاماً الماضية. وبما أن قادة إيران اعتادوا سياسات المجازفة المنهكة للاقتصاد، فبالتأكيد ستكون النتيجة هي الفشل. الإسراف في الخلاف مع دول الجوار، يبرر لقادة إيران استمرارهم في سياساتهم وبأن لا تبقى المشاكل وقتية يمكن حلها.

السلوكيات الإيرانية توفر لأصحاب النيات الخبيثة فرصة القول بأنها دولة تعمل على خلق الخلافات حتى في أصعب الظروف. العالم كله اليوم يقف ضدها، مع أن الكثيرين يعترفون بدورها الإقليمي وبإمكانياتها. وتتعمد إيران استخدام اللغة عالية النبرة مع أن بإمكانها اتباع سياسات اتبعتها غيرها فنجحت. فمثلاً استطاعت تركيا أن يكون لها دور إقليمي عندما اتبعت سياسة quot;تصفير المشاكلquot;، لكن ساسة إيران يحاولون كسر أي بادرة حسن نية، وهو ما يثير الدهشة!

إيران لم تستطع أن تخلق دوراً مؤثراً في الإقليم، مع أن ما يربطنا بها أكثر مما يفرق؛ والسبب هو سياساتها، إذ لا تستطيع العيش إلا على الأزمات. كل الدول لها خلافات حدودية مع جوارها، ولكنها تحاولها حلها بتقريب وجهات النظر عندما تريد العمل على التنمية والتفكير في مصلحة شعوبها ضمن النسق الإنساني الدولي.

إيران تربك العلاقات مع جيرانها دائماًَ، ولا تريد حل أي خلاف مع العالم، وهو أمر بعيد عن quot;فن الممكنquot;. وهي اليوم أكثر ارتباكاً، لأن سياساتها تسجل خسائر أكثر. إيران تؤكد دائماً أن سياساتها مع الجوار لا يمكن الاطمئنان إليها.