لندن -إلياس نصرالله

بدا من المؤكد أن فوز فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وخسارة الحزبين الرئيسيين في اليونان نحو نصف مقاعدهما في البرلمان، سيتركان أثرهما على الساحة الأوروبية في شكل عام ومجريات الأمور داخل الاتحاد الأوروبي وتوجهاته السياسية والاقتصادية، في وقت أحدثت نتائج الانتخابات في البلدين هزة قوية في الأسواق المالية الأوروبية وانخفاضاً في قيمة اليورو.
وكان القادة المحافظون وحلفاء الرئيس الخاسر في الانتخابات نيكولا ساركوزي، خصوصا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راجوي في مقدمة المتصلين بهولاند، رغم أن برنامجه الاقتصادي يُعتبر تحدياً أساسياً لهم، ورغم إصراره حتى في كلمته إلى الشعب الفرنسي الليلة قبل الماضية فور إعلان نتائج الانتخابات على ضرورة وقف سياسة التقشف التي بدأها ساركوزي، والتي ينتهج كاميرون وراجوي سياسة شبيهة بها إن لم تكن أشد، ناهيك عمّا تنادي ميركل وتؤمن به في هذا الخصوص. وسبق الزعماء الأوروبيون الثلاثة الرئيس باراك أوباما في تقديم التهاني لهولاند، وسارعت ميركل الى دعوته حالاً لزيارتها وإجراء محادثات معها حول برنامجه المستقبلي.
وإن كانت ميركل متخوفة على المستقبل الاقتصادي لمنطقة اليورو، فإن مخاوف أوباما تفوق ذلك بكثير، إذ انه اضافة إلى الهموم الاقتصادية التي يرغب في أن تشاركه فرنسا حملها، فهو متخوف من عودة باريس إلى الخط الديغولي القديم، الذي تمسك به بشدة كل من الرئيسين السابقين فرانسوا متيران وجاك شيراك بانتهاج سياسة خارجية مستقلة، ومن إمكان إنهاء التحالف الذي أبداه ساركوزي مع المخططات الأميركية على الساحة الدولية وتعزيز وحدة الحلف الأطلسي.
فالأميركيون لن ينسوا امتناع شيراك عن المشاركة في الحرب على العراق، وجاءت تصريحات هولاند حول عدم موافقته على التدخل في سورية، من دون الحصول على موافقة من مجلس الأمن، لتذكر الساسة الأميركيين بموقف شيراك من العراق، وعلى الأغلب، ستكون السياسة الخارجية الفرنسية على رأس قائمة المواضيع التي سيتباحث أوباما بها مع ضيفه هولاند الأسبوع المقبل، حيث سيطير الرئيس الفرنسي الجديد، بعد أقل من 48 ساعة على تسلمه الرئاسة فعلياً في 15 مايو، إلى واشنطن بدعوة شخصية من أوباما في زيارة تستغرق يومين (17 و18 مايو). فالعالم سيكون منتظراً بفارغ الصبر نتائج محادثات أوباما مع هولاند الأسبوع المقبل.
يشار إلى أن سورية ليست المشكلة الوحيدة التي من المنتظر أن تواجهها واشنطن مع باريس، بل سيكون الموقف الفرنسي من إيران هو المشكلة الأكبر، حيث يخشى الجانب الأميركي أن يكون هناك تباين في المواقف مع الجانب الفرنسي، خصوصا وأن للحزب الاشتراكي الفرنسي علاقة مميزة مع الحكومة الإيرانية تعود لفترة حكم ميتران والخميني، والتي برزت في شكل واضح من خلال الدعم الذي قدّمته فرنسا لإيران خلال حربها الطويلة مع عراق صدام حسين.
وفي بريطانيا، بدا كاميرون أمس، أنه محاصر بين الشارع البريطاني الذي وجه له ولحكومته الائتلافية مع الحزب الليبيرالي الديموقراطي ولسياسة التقشف، لطمة قوية في الانتخابات البلدية والمحلية الخميس الماضي، من جهة، وبين الساحة الفرنسية والأوروبية عموما، الرافضة لهذه السياسة، كما أظهرت نتائج الانتخابات في كل من فرنسا واليونان أول من أمس، من الجهة الأخرى.
وزاد في إبراز الحصار المضروب حول كاميرون ما أعلنه زعيم حزب العمال المعارض إد ميليباند، الذي حقق حزبه نصراً ساحقاً في الانتخابات البلدية والمحلية الأسبوع الماضي، إذ قال في كلمة التهنئة التي وجهها لهولاند laquo;هذا النوع من القيادة مطلوب جداً لأن أوروبا تسعى للإفلات من التقشفraquo;.
ووفقاً للمقربين من ساركوزي، فرغم أنه دستورياً غير قادر على اتخاذ أي قرارات مصيرية اعتباراً من الأمس، إذ من المنتظر أن يقضي الأيام الثمانية المتبقية له في قصر الرئاسة في الإليزيه، قبل تسليمه المنصب لهولاند في 15 مايو الجاري، للعمل على تعزيز مكانة حزبه قدر الأمكان لتحقيق نتائج أفضل في الانتخابات للبرلمان الفرنسي المقررة جولتها الأولى في 10 يونيو والثانية في 17 يونيو المقبل، فساركوزي وحلفاؤه مصممون على منع الحزب الاشتراكي الذي يسيطر حالياً على مجلس الشيوخ من السيطرة على البرلمان، في محاولة يائسة لإفشال مهمة هولاند في المستقبل ومنعه من تحقيق أي نجاح خلال فترة رئاسته إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ووفقاً للمحللين يفتح فوز هولاند الباب أمام الشعوب الأوروبية للبحث عن بدائل للخروج من أزمتها الراهنة، ما يعزز من مكانة فرنسا التي اكتسبتها تاريخياً منذ الثورة الفرنسية كرائدة في عالم الثورات والتغيير.
ويُخطئ من يعتقد أن فترة حكم هولاند ستكون سلسة ومن دون متاعب، فبالإضافة إلى الهم الاقتصادي تواجه فرنسا مشكلة التصدي لصعود اليمين المتطرف الذي حازت مرشحته مارين لو بان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة على نحو 20 في المئة من الأصوات. غير أن هولاند، في حال قرر خوض مواجهة مع اليمين الفرنسي، سيجد دعماً أوروبياً واسعاً، خصوصا أن الدول الأوروبية بلا استثناء تعاني من آفة اليمين المتطرف شرقاً وغربا جنوباً وشمالاً، وهناك رغبة عارمة في منع تكرار وقوع جرائم في أوروبا من نوع الجريمة التي ارتكبها النرويجي المتطرف أندرس بهرينغ وسقط ضحيتها 77 قتيلا الصيف الماضي.