Simon Tisdall

تعرضت روسيا لضغوط دبلوماسية مكثفة كي تغير موقفها، وقد بدأت تلك الضغوط تسيء إلى مصالحها الكبرى في الشرق الأوسط وتضر بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تعارض الأسد، ومع أبرز القوى الأوروبية والولايات المتحدة أيضاً.
يُعتبر دعم روسيا لبيان مجلس الأمن الذي صدر عشية يوم الأحد لإدانة مجزرة الحولة أول نبأ إيجابي عن الأزمة السورية منذ أشهر. تفتح هذه الخطوة المجال أمام إيجاد نقاط مشتركة بين واشنطن وموسكو لإسقاط الأسد بطريقة سلسة، وإخماد الثورة ضد نظام دمشق.
يوم الاثنين، سارع المتحدث الروسي إلى اعتبار أحداث الحولة ldquo;غامضةrdquo; (مع أن الأمم المتحدة أعلنت مقتل 116 مدنياً هناك بما في ذلك عشرات الأطفال الذين قُتلوا خلال حملة قصف نفذتها قوات النظام يوم الجمعة الماضي)، كما أعلن أن خصوم النظام يتحملون جزءاً من اللوم على تلك المجزرة، وأن موقف روسيا الرافض لتغيير النظام لايزال على حاله.
لكن من الواضح أن بيان الأمم المتحدة الذي صدر بالإجماع يشكل خرقاً للدفاعات الدبلوماسية التي استعملتها موسكو لحماية النظام السوري. نظراً إلى أهمية ما حصل، يمكن أن نفترض أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي اتخذ ذلك القرار بنفسه.
حتى عندما ارتفعت حصيلة القتلى في سورية إلى أكثر من 10 آلاف قتيل وفق تقديرات الأمم المتحدة، وبعد تعثر مهمة السلام التي تولاها كوفي أنان، أصرت روسيا على الاصطفاف مع النظام واعتبرت أن الإرهابيين والمتطرفين الدينيين مسؤولون عن تأجيج أعمال العنف، لكن من خلال التوافق الآن مع الولايات المتحدة وبريطانيا على أن الأسد ينتهك القانون الدولي لأنه يلجأ إلى ldquo;استعمال القوة بطريقة شائنةrdquo;، تكون موسكو قد اتخذت خطوة رمزية وفاعلة لدعم إسقاط الرئيس السوري.
تعرضت روسيا لضغوط دبلوماسية مكثفة كي تغيّر موقفها، وقد بدأت تلك الضغوط تسيء إلى مصالحها الكبرى في الشرق الأوسط وتضر بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تعارض الأسد، ومع أبرز القوى الأوروبية والولايات المتحدة أيضاً، لكن هذا الواقع لا يفسر حقيقة ميل موسكو إلى تحقيق الإجماع.
يتعلق التفسير الأصح على الأرجح بالعودة إلى التركيز على إدارة دفة السياسة الخارجية على طريقة بوتين الذي أعيد تنصيبه هذا الشهر رئيساً لروسيا. من المعروف أن بوتين ليس شخصاً مسالماً ولا يهتم بحفظ السلام، وقد أثبت ذلك في مناسبات عدة في مناطق النزاع المختلفة، بدءاً من الشيشان وصولاً إلى جورجيا. ترتكز مقاربته على حساباته المتشددة والبعيدة عن العواطف والمبنية على المصالح الوطنية.
لا يتعلق أهم بند على الأجندة الدولية التي يطبقها بوتين بالملف السوري أو بأي انتفاضة أخرى حصلت في إطار الربيع العربي، بل إنه يركز في المقام الأول على اجتماعه مع باراك أوباما في الشهر المقبل. تجاهل بوتين عمداً حضور قمة مجموعة الثماني التي استضافها الرئيس الأميركي في الأسبوع الماضي في ولاية ميريلاند. كما أنه جعل أوباما ينتظر أياماً عدة قبل أن يوافق على تلقي تهنئته عبر الهاتف بعد عودته إلى المنصب الرئاسي.
تعبّر هذه التصرفات كلها عن نزعة التحايل والمراوغة المألوفة في أسلوب بوتين. نظرياً، تمنحه هذه المقاربة تفوقاً نفسياً عندما يتقابل الرجلان. لكن ما الذي يريده بوتين فعلياً؟
يريد بوتين الحصول على ضمانات بشأن خطط الدفاع الصاروخي التي تقودها الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، علماً بأن روسيا تعتبر أن تلك الخطط تهدد أمنها. يريد بوتين الموافقة على استمرار وضع المراوحة في القوقاز بعد انفصال الأراضي الجورجية بدعمٍ من روسيا في عام 2008. يريد بوتين أن تكون عضوية روسيا مثمرة في منظمة التجارة العالمية. يريد بوتين وضع حد للانتقادات الأميركية التي تستهدف ldquo;الديمقراطية المنظمةrdquo; والشوائب التي تطبع الحقوق المدنية في روسياhellip; والقائمة تطول!
كذلك، تريد روسيا التوصل إلى حل سلمي للأزمة المرتقبة بشأن برنامج إيران النووي. عندما يقابل بوتين أوباما، لاشك أنه سيبحث عن اتفاق يضمن أن تعوق الولايات المتحدة أي تحرك عسكري إسرائيلي ضد منشآت إيران النووية، وألا تشارك الولايات المتحدة بنفسها في أي تحرك مماثل.
بالنسبة إلى الكرملين، ستكون الحرب على طول حدودها الجنوبية نحو آسيا الوسطى كفيلة بزعزعة الاستقرار سياسياً واقتصادياً أكثر من أي اضطرابات هائلة في سورية.
في المقابل، يريد أوباما أموراً كثيرة من بوتين، منها تعاون روسيا للتوصل إلى نتيجة نهائية ناجحة يتم التفاوض عليها لحل الأزمة الإيرانية، بالإضافة إلى الحصول على مساعدة روسيا للتعامل مع الملفات الشائكة المشتركة مثل كوريا الشمالية. بالتالي، تكثر الحوافز غير المباشرة التي تدفع الفريقين إلى التوصل إلى حل وسطي في سورية.
استعداداً لتلك القمة الثنائية، ناقش مستشار أوباما الأمني، توماس دونيلون، الملف السوري مع بوتين في موسكو منذ ثلاثة أسابيع، وفق صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo;. عندما أثار أوباما موضوع مستقبل الأسد مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف خلال اجتماع مجموعة الثماني، بدا ميدفيديف متجاوباً وفق معلومات المسؤولين الأميركيين.
بموجب الاتفاق المرتقب، ستوافق روسيا على تنحية الأسد واستبداله بشخصية تنتمي إلى النظام نفسه لكن تكون أقل إثارة للجدل، بما يشبه ما حصل خلال المرحلة الانتقالية في اليمن. هكذا سيبقى جوهر النظام على حاله ما يضمن الحفاظ على مصالح روسيا في سورية، بما في ذلك علاقاتها التجارية وقاعدتها البحرية.
وفق هذا السيناريو، سيتمكن أوباما من ادعاء أن الاضطرابات السورية خمدت من دون اللجوء إلى التدخل العسكري الذي تعارضه روسيا بشدة.
سيصعب على المعارضة السورية الديمقراطية تقبل أي نتيجة مماثلة، لأنها لا ترقى إلى طموحات الثورة بتغيير النظام. كذلك، يفترض ذلك الاتفاق العفو عن الأسد وأعوانه وعدم تحديد وجهة الرئيس السوري إذا أُجبر على الذهاب إلى المنفى.
بالتالي، من المتوقع أن يكون الاتفاق تجريبياً في المرحلة الأولى. اعتباراً من هذه اللحظة، يتعلق الاتفاق المحتمل الوحيد بخطة أنان المدعومة من الأمم المتحدة والفاشلة بقوة، وقد شدد وزير الخارجية البريطاني ويليام هايغ على هذه النقطة يوم الاثنين من موسكو واعتبرها ldquo;آخر أملrdquo; لحل الأزمة السورية.
تدعو الخطة المؤلفة من ست نقاط إلى وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة والقوات العسكرية من المراكز الشعبية، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتحرير المعتقلين، ومنح الصحافيين حرية التنقل.
لم يستبعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي رافق هايغ أثناء زيارته تنحية الأسد، ولكنه اعتبر أن تغيير النظام في دمشق ldquo;ليس أولويةrdquo;. تخلى قادة جامعة الدول العربية عن مطلبهم الأولي الذي يدعو إلى تنحية الأسد.
لكن تصر الحكومات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هذا الموقف. ورغم اجتماع أنان مع الأسد في دمشق يوم الثلاثاء، يصعب توقع أي سيناريو منطقي ينهي الأزمة السورية ويُبقي الأسد في السلطة.
إذا أُجبر الأسد على الرحيل في نهاية المطاف نتيجة اتفاق ضمني معين بين الولايات المتحدة وروسيا، فستصبح هذه النتيجة مألوفة وتعبر عن أسلوب أوباما في حل الأزمات. على عكس جورج بوش، لا يخوض أوباما أي حروب تقليدية في بلدان شعوب أخرى. بل إنه يرسل القوات الخاصة، ويستعمل الطائرات بلا طيار، ويطلق العمليات السرية، ويلجأ إلى الرشاوى والاغتيالات وعقد الصفقات. إذا نجح في حل الأزمة السورية بهذا الأسلوب فسيكون الأمر إنجازاً على الطريقة الأميركية.