خيرالله خيرالله


لا يمكن للثورة السورية الاّ ان تنتصر. ولذلك، لم يعد هناك معنى لأيّ كلام يصدر عن اي مسؤول روسي في شأن هذه الثورة او الوضع السوري ككلّ. الكلام الوحيد الذي له معنى هو ذلك الذي يصدر عن الشعب السوري البطل، وهو كلام يكتبه السوريون بالدم، دمّ اطفال درعا ونسائها ورجالها ودم ابناء حمص وحماة وحلب ودمشق ودير الزور وادلب وكل مدينة وقرية سورية. فما لم يفهمه الروس الى الآن، ان الشعب السوري، بأكثريته الساحقة، يرفض النظام القائم وان اي فيتو في مجلس الامن التابع للامم المتحدة وحتى اي تلويح باستخدام الفيتو انما يصبّ في خدمة نظام لا يمتلك اي افق سياسي، نظام لا همّ له سوى اطالة عذابات الشعب السوري وسفك مزيد من الدماء البريئة لا أكثر.
انه بكل بساطة نظام لا علاقة له بما يدور على الارض السورية يلقي رئيسه خطابا في مجلس الشعب يبدو فيه وكأنّه يتحدث عن بلد آخر يشبه الوضع فيه كلّ شيء ما عدا الوضع الحقيقي في سورية.
لم يعد السؤال لماذا الاصرار الروسي على دعم نظام مرفوض من شعبه؟ بل لماذا الاصرار على زيادة عذابات الشعب السوري وكأنّ المطلوب اكثر من اي وقت اطالة الازمة السورية الى اقصى حدّ ممكن مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر. في طليعة هذه المخاطر تقسيم سورية من جهة وزيادة التطرّف من جهة أخرى. بكلام اوضح، كلّما طالت الازمة السورية، وهي ازمة كيان ونظام في الوقت ذاته، زادت احتمالات انفلات الغرائز المذهبية، خصوصا في المناطق التي يقيم فيها السنّة والعلويون جنبا الى جنب. فما يبدو واضحا بعد مجزرتي الحولة والقبير، ان النظام يسعى الى خلق عصبية علوية تؤدي الى تماسك داخل الطائفة خشية انفضاضها عنه.
اين مصلحة روسيا في اطالة الازمة السورية، في وقت لم تعد هناك اي دولة عربية تجهل ان هناك تغييرا في التوازنات في المنطقة بعدما صارت الكلمة الفصل في دمشق للنظام الايراني؟ واذا وضعنا جانبا الحسابات الايرانية في سورية، كيف يمكن لروسيا دعم نظام يظنّ ان خلاصه مرتبط بزيادة وتيرة التطرف السنّي كي يقابله تطرّف علوي من منطلق ان الطائفة كلّها صارت مهددة وان مصيرها مرتبط بمصير النظام؟ انه سؤال محيّر بالفعل الاّ اذا كان الجواب عنه ان موسكو تراهن على الدور الايراني في المنطقة وعلى انّ هذا الدور كفيل بالمحافظة على المصالح الروسية في مرحلة ما بعد زوال النظام السوري. يا له من رهان غريب، بل اكثر من غريب في منطقة باتت فيها الدول العربية تدرك ان هناك دورا لطهران في تأجيج الغرائز المذهبية واستخدامها في تحقيق اختراقات في كلّ انحاء الشرق الاوسط وصولا الى شمال افريقيا.
انه رهان غريب ومستغرب في الوقت ذاته، نظرا الى انّه يقوم على افتراض ان للنظام الايراني مستقبلا زاهرا وان ايران ستكون قادرة على السيطرة على العراق ونفطه بغض النظر عمّا ستؤول اليه الاوضاع في سورية. هناك تجاهل روسي لواقع قائم يتمثّل في ان الولايات المتحدة لا تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم وانها ترفض، الى اشعار آخر، التفاوض مع ايران في شأن دورها الخليجي او حصتها في العراق ولبنان وسورية طبعا.
في كلّ مرة طرح الايرانيون مسائل تتعلق بمستقبل الدور الاقليمي لبلدهم طارحين اوراقهم على الطاولة، جاء الرد الاميركي ان لا بدّ من حصر النقاش في الملفّ النووي الايراني ولا شيء آخر غير ذلك. ليس بعيدا اليوم الذي ستكتشف فيه ايران انّ كلّ استثماراتها في هذا البلد او ذاك لاتتعدى كونها اوراقا غير قابلة للصرف.
اذا، ما الذي تبحث عنه روسيا في سورية؟ هل يظن الكرملين ان سورية ورقة يمكن من خلالها الحصول على مكاسب في الشرق الاوسط؟ من يفكّر بهذه الطريقة انما يسعى الى اضاعة الوقت في احسن الاحوال. لا لشيء سوى لأنّ سورية ليست ورقة في يد احد. لو كانت سورية ورقة في يد احد، لكانت الثورة توقفت منذ فترة لا بأس بها. ما يتبين مع مرور الوقت، ان عمر الثورة السورية تجاوز الخمسة عشر شهرا. ومع مرور الوقت، يزداد تمسّك الشعب السوري بالتخلص من النظام. ولكن مع مرور الوقت، تزداد ايضا مخاطر تعرض الكيان السوري لهزات كبيرة. يطرح هذا الامر سؤالا في غاية الخطورة هو الآتي: هل من مصلحة روسية في تفكيك الكيان السوري، ام ان هناك تلاقيا على ذلك بين روسيا والدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن، الى جانب ايران طبعا، ان تستفيد من شرذمة الكيانات العربية... وهي دولة اسرائيل؟
الموقف الروسي محيّر بالفعل، خصوصا ان كلّ دول مجلس التعاون ومعظم الدول العربية الفاعلة اخذت موقفا واضحا مؤيّدا للثورة السورية وللشعب السوري. هل بلغت الوقاحة بالقيادة الروسية درجة تشجيع كلّ ما من شأنه المساهمة في اثارة الغرائز المذهبية في الشرق الاوسط بما يخدم القوى غير العربية في المنطقة، اي القوى التي اقامت حلفا غير مقدّس في ما بينها ساعية الى ازالة كلّ ما هو عربي عن خريطة الشرق الاوسط؟