قال إن جميع الخيارات مطروحة وقد دعّم ذلك فعلاً من خلال إجراءات ملموسة

يعترف بأن إيران المسلحة نووياً من شأنها أن تشكل تهديداً لأمن إسرائيل


جيفري غولدبرغ


خرج كولن كال - الذي كان بالأمس القريب أعلى مسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون - بتقرير شامل وموثوق عن التحدي النووي الايراني. يقول التقرير, الذي أعده كولن كال وميليسا ج. دالتون وماثيو ارفين ونشره مركز quot; quot;الأمن الأميركي الجديدquot;: ان هجوما اسرائيليا على المنشآت النووية الايرانية - هجوم يبدو أنهم يعتقدون أنه مقبول جداً, اذا كانت قراءتي له صحيحة - قد يترتب عليه عواقب سلبية كبيرة.
واستنتاجات التقرير مثبتة ومدروسة جيدا (حتى تلك التي لا أتفق معها) ويعتقد واضعو التقرير, من بين أمور أخرى, بأن:
- التهديد الايراني خطير لكن ليس وشيكا.
- قادة ايران عقلانيون بما يكفي للاعتقاد بأنهم سوف لا يستخدمون سلاحا نوويا أو يقدموه لأحد الارهابيين (لست متأكداً من أنهم على حق في النقطة الأولى, لكن من المؤكد أنهم محقون في الثانية - فلا معنى لتقديمهم أغلى سلاح لديهم لجهات فاعلة غير مستقرة, وربما شبه مستقلة).
- التنافس النووي بين ايران واسرائيل يخلق مخاطر تبادل نووي غير مقصود (هم يقللون من هذه المخاطر الى حد ما, لكن ليس أكثر من اللازم, وأميل الى الاعتقاد بأن التصعيد غير المقصود للتبادل النووي هو السبب الرئيسي للاحتفاظ بالقنبلة النووية بعيدا عن متناول الايرانيين).
- احتواء ايران نوويا ليس خياراً كبيرا للولايات المتحدة (أنا معهم في هذا).
فمن جهة, يمثل التقرير طريقة تفكير وزارة الدفاع الأميركية بشأن هذه المسألة. ومن جهة أخرى, فهو ليس على الاطلاق طائشا أو ناجماً عن رد فعل خلافا لمعظم ما قرأت عن هذا الموضوع هذه الأيام.
وأعتقد أنه سيكون من المفيد أن نتحدث عن هذا التقرير مع كولن كال, الذي يعمل الآن في جامعة جورج تاون.
فيما يلي حديثنا معه, طويل, لكن جدي وينطوي على قراءة شاملة من الأهمية بمكان. كما أود أن أشير الى أن كال هو الشخص نفسه الذي أمضى السنتين الماضيتين وهو يعمل جاهدا من داخل البنتاغون لتعزيز وتعميق علاقة أميركا الأمنية مع اسرائيل, ومعارضته لضربة اسرائيلية للبرنامج النووي الايراني ليست بدافع عداء تجاه اسرائيل, لكن خوفا من قيام اسرائيل بعمل متهور يمكن أن يلحق ضررا بحد ذاته, ويسرع في التحرك الايراني تجاه امتلاك القنبلة النووية.
تقول انه يكاد يكون مؤكدا حدوث كارثة بالنسبة لاسرائيل اذا ما أقدمت على ضرب المنشآت النووية الايرانية. في حديث سابق (على تويتر) اقترحت بأن خيار اسرائيل الحقيقي الوحيد هو الوثوق بأن الولايات المتحدة سوف تمنع ايران من عبور العتبة النووية. وقد أشار قادة اسرائيليون الى أن الولايات المتحدة لم تكن تريد أن تعبر باكستان ولا كوريا الشمالية العتبة النووية, الا أن هذين البلدين تجاوزا تلك العتبة على أي حال. لماذا يختلف هذا الوضع هنا? اذا كنت مسؤولا اسرائيلياً (أو سعوديا أو اماراتيا) هل تثق بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم كل عناصر قوتها الوطنية لمنع ايران من المضي في توجهها النووي?
سؤال جيد. أعتقد أن هناك أسباباً عدة تدفع اسرائيل لكي تثق بالولايات المتحدة في هذه المسألة.
أولاً, لطالما كان واضحا جداً أين تقف هذه الادارة. اذ يقول أوباما دائماً ان السلاح النووي الايراني أمر غير مقبول. وهو يفضل بكل وضوح التوصل الى حل ديبلوماسي, ويعتقد أن التوصل الى تسوية عن طريق التفاوض أمر ممكن ويأتي بنتائج أكثر استدامة, ويعتقد أن هناك وقتاً لمتابعة هذا السباق. القوة يجب أن تكون الملاذ الأخير, وما زالت هناك فرصة لايجاد مخرج سلمي لهذه الأزمة. لكن أوباما أوضح أيضا أن جميع الخيارات, بما في ذلك القوة العسكرية, مطروحة على الطاولة لمنع ايران من تطوير أسلحة نووية. وقال أوباما في مقابلة معه في مارس وفي خطابه أمام مؤتمر quot;ايباكquot; انه لا يؤيد سياسة الاحتواء النووية. كما أن وزير الدفاع قد أعلن أكثر من مرة أن تطوير ايران لسلاح نووي يمثل quot;خطا أحمرquot; بالنسبة للولايات المتحدة.
ثانيا, أوباما - كما يشي به تاريخه - رجل يعني ما يقول, وينفذ ما يقول. وقد دأب أوباما على أن يقرن كلامه بأفعاله في الشأن الايراني. وخلال حملة 2008, قال انه مستعد للدخول في مفاوضات غير مشروطة لاختبار استعداد النظام الايراني للتوصل الى اتفاق ديبلوماسي, وهذا ما فعله في العام 2009. عندما يثبت أن ايران غير راغبة وغير قادرة على الاستجابة, قال الرئيس انه سيعمل للتوصل الى توافق آراء تاريخي لزيادة الضغط على النظام - وهذا أيضا ما فعله بالضبط في الفترة بين 2010-2011, وهو يعمل مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين, ومع الكونغرس الأميركي لجعل العقوبات من أصعب ما واجهته ايران.
في الواقع, العقوبات اليوم أكثر صرامة من السابق, لم تتمكن ادارة بوش الأكثر quot;صقوراquot; ظاهرياً من تحقيقها. اسرائيل وغيرها من الشركاء يجب أن يثقوا في أن أوباما مستعد لاستخدام جميع عناصر القوة الوطنية لمنع ايران من تطوير أسلحة نووية لأنه يقوم بذلك بالفعل. العقوبات والجهود الديبلوماسية الرامية الى عزل النظام الايراني وأنشطة المخابرات كلها تم استخدامها لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الجبهة العسكرية, عندما قال أوباما ان جميع الخيارات مطروحة على الطاولة, فإنه دعم ذلك فعلا من خلال اجراءات ملموسة. وحتى عندما أكملت القوات الأميركية انسحابها من العراق, سمح باعادة انتشار القوات الأميركية في الخليج للتأكد من أنها وضعت للتعامل مع أي سيناريو للدفاع عن شركائنا, وصد العدوان الايراني في المنطقة. فقد نشر حاملة طائرات ثانية, وعمل على تحسين الدفاعات الجوية والصاروخية الأميركية في المنطقة, وتعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج (بما في ذلك مجموعة أسلحة قياسية للسعوديين), وقدم لأمن اسرائيل أكثر من أي ادارة سابقة لجهة المساعدة الأمنية والتعاون الدفاعي. وعلاوة على ذلك, فقد لاحظ الجنرال مارتن ديمبسي, رئيس الأركان المشتركة الحالي, في أكثر من مناسبة أن جيش الولايات المتحدة على استعداد ولديه خطة قابلة للتطبيق في أي ظرف طارئ من جانب ايران, ووزير الدفاع بانيتا وسواه أشاروا الى قدرات فريدة من نوعها طورها جيش الولايات المتحدة لضمان أقصى احتمالات النجاح. وهكذا, عندما يقول أوباما quot;جميع الخيارات مطروحة على الطاولة quot; فان هذه ليست مجرد كلمات - الخيارات قابلة للبقاء والطاولة موجودة.
ثالثا, يعترف أوباما بأن ايران المسلحة نوويا من شأنها أن تشكل تهديدا لأمن اسرائيل وعلى الاستقرار في منطقة حيوية للغاية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. وهو يعتقد أنه اذا سمح لايران بعبور العتبة النووية فان ذلك سيلحق ضرراً بالغا بنظام عدم الانتشار النووي - وهذه مسألة تحظى باهتمام وحماس. لأنه, كما يرى أوباما, فان ثمة مصلحة حيوية للولايات المتحدة في منع ايران من الحصول على أسلحة نووية, واذ لا يثق المرء من أنه سيتخذ جميع الاجراءات اللازمة من أجل اسرائيل فقط, يتعين على المرء ان يثق أنه سوف يعمل في مصلحة الولايات المتحدة. أنه يفضل بوضوح عدم استعمال القوة- وقد حذر من العجرفة والحديث quot;الفضفاضquot; عن الحرب نظراً للتكاليف وعدم اليقين.
لكن أوباما أظهر مرارا وتكرارا أنه مستعد لاستخدام القوة في ما يصب بالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة - سواء كان من جانب واحد أو كجزء من تحالف متعدد الأطراف.
وأخيراً, أعتقد أن صورة الاستخبارات, ومستوى عمليات التفتيش, والتركيز الدولي أكبر بكثير بالنسبة لايران مما كان عليه الحال مع باكستان أو كوريا الشمالية. ولذا, أعتقد أن ثمة احتمالاً ضعيفاً في عبور ايران العتبة النووية دون معرفة منا بذلك في الوقت المناسب للتحرك. في الوقت الحاضر, على سبيل المثال, سوف يستغرق الايرانيون على الأقل أربعة أشهر للتخصيب بالمستوى المطلوب لصنع الأسلحة, وسيتعين عليهم القيام بذلك في مرافق معلنة - يسهل اصطيادها. وعلاوة على ذلك, لدى أجهزة الاستخبارات الغربية سجل جيد جداً في الكشف عن الأنشطة النووية السرية الايرانية (مثل نطنز وفوردو). لا أقصد التفاؤل لدرجة الكمال, لكن نحن في وضع أفضل للكشف عن فاصل-خارج الايرانية في الوقت المناسب وليس كما كانت عليه الحال مع أمثلة أخرى, والأهم من ذلك, نركز كل عناصر القوة الوطنية بشأن هذه المسألة حتى ونحن على أهبة الاستعداد والقدرة على الاستجابة بسرعة فيما اذا كان الايرانيون من الغباء بما يكفي لكي يحاولوا الاندفاع لصنع قنبلة في أي وقت قريب.
تخيل أنك ضابط مخابرات مسؤول في الشأن الايراني. وقد تسلمت أدلة على أن ايران - ربما- تحاول التسلل نوويا. والأدلة, كمعظم الأدلة في مثل هذه الحالات, غامضة. كما قد تعلم أنه اذا توصلت أنت وزملاؤك, لاستنتاج بأن ايران انجزت القنبلة, قد تكونوا مسؤولين عن بدء حرب (مسؤولو الاستخبارات يتذكرون العراق بالتأكيد). ما أشعر به أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية لابد أنهم يدركون أن أمرا خطيرا يحدث في ايران, لكن قد يستغرق شهرا لمعالجته وقد يتم تسييس العملية, تحديداً لأن الرهانات عالية جداً. لذا أليست هناك فرصة - حتى لو عرفنا بكثير أو قليل أن ايران تتخذ هذه الخطوة - بألا نكون قادرين على الرد في الوقت المناسب?
- يعتمد ذلك على الأدلة. بعض أنواع الأدلة سيكون واضحا نسبيا. وأهم الأدلة على اتخاذ قرار بصنع قنبلة ستكون طبيعة أنشطة تخصيب اليورانيوم, وعلى الأقل في الوقت الراهن, هذه الادلة يحتمل أنه سينظر فيها بما يكفي من الوقت للرد. اذا حولت ايران المخزونات الحالية من اليورانيوم منخفض التخصيب وبدأ التخصيب لأكثر من 90 في المئة أو طردت مفتشي الوكالة, سوف تتم ملاحظة ذلك واعتبارها أدلة على وجود نية للتسلح, ويكون هناك ما يكفي من الوقت للرد. كما ان اكتشاف موقع تخصيب سري عملي كلياً (بخلاف فوردو, الذي كان بناء تحت انشاءات ليس فيها أجهزة طرد مركزي عندما تم كشفها) قد يكون اشارة أخرى على أن خامنئي قد اتخذ قرارا بالتسلح.
الأصعب من ذلك أنه اذا بدأنا نرى أدلة على أن خامنئي قد عكس امر وقف التسلح لعام 2003 (الأمر تمت مناقشته وفق الأحكام الرئيسية 2007 غير المصنفة -وفقا لتقارير صحفية- التحديث لعام 2010 أكدته وكالة الطاقة الذرية). يحتمل أن نرى ذلك, لكن بعض الأدلة يمكن أن تكون غامضة ومثار جدل. لذا, نظراً للعقبات التقنية (بالنسبة للتخصيب فقط) في أن ايران تجاوزت التسلح, تشير التقديرات الحالية أنه سوف يستغرق الأمر عاما كاملا بعد قرار تصنيع القنبلة لانشاء جهاز بدائي يفترض أنه برنامج تسليح. كلما تقدموا سنرى المزيد, ومدة العام فترة طويلة.
ومع ذلك, في نهاية المطاف, ربما يكون من الأسهل النظر في دليل على خطوات لانتاج اليورانيوم مما هو عليه بالنسبة للكشف عن كل عنصر من عناصر سرية البحوث المتصلة بتطوير الأسلحة, الذي يعتبر مهما للحد من قدرة ايران على اختصار الوقت والانطلاق الى حد كبير لانتاج اليورانيوم المستخدم في صناعة الأسلحة. ولهذا السبب مسألة اليورانيوم المنخفض التخصيب 20 في المئة مهم حتى الآن لأنه, اذا تم الحصول على قنبلة واحدة أو أكثر مخصبة ب 20 بالمئة يورانيوم-235 يمكنهم تقليص الوقت اللازم لصنع المواد الانشطارية للقنبلة الأولى من أربعة أشهر الى شهرين. وبالمثل, اذا بدأت ايران تثبيت أجهزة طرد مركزي من الجيل القادم الذي تختبره الآن, لكنها واجهت مشاكل على الصعيد الصناعي في نطنز أو فوردو - هذا يمكن أيضا أن يقلص الوقت لأن كفاءة هذه الآلات تعادل 3- 4 اضعاف النماذج الحالية. اذا نجحت ايران في انجاز هذه الخطوات وقلصت وقت التصنيع لمدة شهر أو بضعة أسابيع, يمكن آنذاك الدخول في هامش الخطأ حيث المفتشون قد يفوتهم شيء ما.
النظام الايراني في نهاية المطاف مهتم ببقائه, ولذا فان الضغط المباشر على النظام يمكن ان يجبره على اعادة النظر في أهدافه النووية. هل تعتقد أن هناك شهية في واشنطن لزعزعة النظام, وهل تعتقد أن الأمر يستقيم- ان لم نعمل على اسقاط النظام, بل نجبره على التعامل مع مطالب المجتمع الدولي حيال طموحاته النووية?
هناك فرق كبير بين ستراتيجية تهدف الى جعل النظام quot;معرضا للخطرquot; ما يمكن أن أسميها ستراتيجية الارغام- وسياسة تهدف فعلا الى تغيير النظام. الأولى تؤدي الى رفع التكاليف بالنسبة للنظام الايراني الى درجة تجبره على اتخاذ خيار ستراتيجي صعب - في هذه الحالة تقليص طموحاته النووية - يفضل عدم القيام به. العقوبات غير المسبوقة والتهديد ذو المصداقية باستخدام القوة يمكن أن يضع النظام الايراني أمام خطر كبير, وبالتالي فان هذا يساعد في حمله على تغيير سلوكه - لكن فقط ان كان للنظام طريق للخروج. اذا غير النظام سلوكه, يرفع عنه الضغط.
وفي المقابل, فان حملة quot;تغيير النظامquot; تهدف الى الاطاحة بالنظام, بغض النظر عما يفعله. وهذا يستند الى الرأي القائل ان النظام الحالي لا يمكن التفاهم معه ويجب أن يسقط. فهل ينطبق ذلك على ايران, لهذا النهج اشكالية عميقة. فمن ناحية, لا يقدم أي حافز ايجابي للمرشد الأعلى لعقد صفقة نووية لأن القيام بذلك لن يكون كافياً لبقاء النظام. والأسوأ من ذلك, أنه يحقق صحة الرواية السائدة في quot;الجمهورية الاسلاميةquot; حول الدوافع الغربية ويشجع طهران على التحرك بسرعة أكبر لانتاج قنبلة كرادع نووي ضد تغيير النظام المفروض من الخارج. وعلاوة على ذلك, في حال نجاح هذه السياسة, لا يوجد ضمان بأن النظام الذي سيخلفه سيكون أفضل - بل يمكن ان يكون ديكتاتورية عسكرية يسيطر عليه الحرس, على سبيل المثال. أو قد تنهار الدولة وتسود الفوضى.
لذلك, أعتقد أنه من المهم جعل النظام في حال من الخطر- أعتقد أن عناصر الستراتيجية الحالية تفي بذلك, أو على الأقل بدأت تفعل - واعتقد أن سياسة تغيير النظام سيكون لها نتائج عكسية بالغة الأثر لحل الأزمة النووية الحالية.
لماذا لا يساعد برنامج تغيير النظام على اجبار quot;المرشد الأعلىquot; على تغيير نهجه النووي? لماذا لا يقايض برنامجه النووي بوعد غربي بالكف عن عمليات تغيير النظام?
الأمر يعتمد تماما على اجراءات محددة. الكثير من الاجراءات الهادفة الى تغيير النظام يمكن أن تقنع القائد الأعلى أننا ملتزمون برحيله بغض النظر عما يفعله -ما يحد من احتمال عقد صفقة, وقنبلة على الأرجح. الأفضل زيادة الضغط على نحو يحمل النظام الى حدود الخطر-عن طريق عقوبات صارمة وطرح العمل العسكري على الطاولة - بدلاً من اتباع سياسة تغيير النظام. وهذا ما يجعل لخامنئي مخرجا.
- سؤال أخير: كيف نعرف أن ايران سترد على ضرب منشآتها النووية بمضاعفة العمل على برنامجها وتسريعه? هل هناك فرصة ان تقرر ايران أن برنامجها النووي لا يستحق كل هذا العناء? هل يمكن العمل بطريقة أخرى, هل ثمة ما تقوم به اسرائيل أو الولايات المتحدة لاحباط الطموحات النووية بعد الضربة? هل يتطلب هذا ضربات متابعة, أم أن هناك خياراً غير عسكري?
لا نعرف على وجه التأكيد, لكن النتيجة الأكثر ترجيحاً محاولة النظام الايراني الاسراع في اعادة بناء برنامجها. النظام حاليا يتبع ستراتيجية quot;تحوطquot; نووي بغية الحصول على القدرة التقنية لانتاج أسلحة نووية في وقت ما في المستقبل اذا ما قرر المرشد الأعلى القيام بذلك. أحد دوافعه سعيا الى تحقيق هذه الستراتيجية توفير رادع ضد التهديدات الخارجية المستقبلية ضد النظام, بما في ذلك هجوم محتمل من جانب اسرائيل أو الولايات المتحدة. يبدو ان خامنئي رأى أن معمر القذافي رحل وصدام حسين رحل, لكن النظام الكوري الشمالي لا يزال, والمرجح أن يخلص الى أن أكبر سبب لهذا هو حقيقة أن كوريا الشمالية تطور أسلحة نووية الدولتان الأخريان تم تدمير برامجها النووية. ومن المرجح أن الحافز الثاني لسعيه الى الحصول على القدرة على انتاج أسلحة نووية ذلك الأمل أنها ستعزز مكانة ايران وامكاناتها الديبلوماسية القسرية, وتيسر توسيع النفوذ الايراني والنهوض بطموحات النظام في الهيمنة الاقليمية.
الضربة سوف تأكد ضعف النظام وتعزز شعور العداء للقوى الأجنبية التي ستوفر دعما حاسما لأولئك القابعين داخل النظام والقائلين ان رادعا نوويا فقط يمكنه الحيلولة دون وقوع هجمات في المستقبل وتسلح ايران من الضروري أن يقود المقاومة ضد الغرب. في الوقت نفسه, الهجوم على ايران يتيح لها لعب دور الضحية وطرد الوكالة, وربما التملص من معاهدة عدم الانتشار. وفي غياب المفتشين على أرض الواقع, قد يحسب القادة الايرانيون أن بوسعهم اعادة بناء برنامجهم بسهولة أكبر والمشاركة في الأنشطة غير المشروعة دون أن يتم الكشف عنها. كما أن الهجوم الاسرائيلي قد يبعثر توافق الآراء الدولي الذي يبطئ التقدم النووي في ايران من خلال العقوبات وغيرها من الأنشطة لمكافحة الانتشار المتبعة حاليا.
هذا ليس محض افتراض, ولدينا مثال سابق على ذلك. ناقشنا مطولاً في تقريرنا, أن ضرب اسرائيل العام 1981 لمفاعل quot;تموزquot; لم يضع حدا للبرنامج النووي العراقي, بل قاد فعلياً الى مضاعفة العمل به وتكريس المزيد من الموارد وتحسين تنظيم البرنامج, وانشاء برنامج نووي سري على نطاق واسع وصولا الى quot;حرب الخليجquot; العام 1991- وكانت على مسافة سنة واحدة أو سنتين من انتاج قنبلة نووية. في نهاية المطاف, الهجوم على مفاعل تموز العام 1981 لم ينه البرنامج, بل دمرته quot;حرب الخليجquot; العام 1991 في أعقاب أكثر من عشر سنوات من العقوبات والعزلة الديبلوماسية ومناطق الحظر الجوي وقصف دوري - وحتى ذلك الحين ظلت ادارة بوش تعتقد (وهذا غير صحيح) أن مقومات البرنامج لا تزال موجودة.
يقودني هذا الى نقطة أخيرة: الطريقة الوحيدة لمنع ايران من اعادة بناء برنامجها بعد ضربه أن يكون ثمة توافق دولي كاف وتحالف كبير بما يكفي لاقامة وصيانة نظام احتواء ما بعد الضربة.وذلك بالابقاء على العقوبات وتدابير مكافحة الانتشار الرامية الى عرقلة محاولات ايران في الحصول على المواد اللازمة لاعادة بناء برنامجها, وبوجود دعم اقليمي للابقاء على وجود عسكري قوي من أجل احتمال ضربة أخرى.
السبيل الوحيد لايجاد نظام احتواء ما بعد الضربة هو الذهاب الى الحرب بدعم دولي ودرجة معينة من الشرعية الدولية. وهذا يعني عدم التحرك الا بعد استنفاد الخيارات غير العسكرية وبوجود الأدلة على ان ايران تصنع قنبلة (عن طريق التخصيب الى مستوى الأسلحة أو طرد المفتشين على سبيل المثال). وهذا يعني أن البلد الذي يقود هذا الجهد يجب أن يكون قادرا على صياغة تحالف وعقد مثل هذا التحالف.
الولايات المتحدة وحدها يمكن أن تفي بهذه المعايير. (وبالمناسبة, المعايير صارمة جدا لأن التكاليف المحتملة للقيام بعمل عسكري مرتفعة جدا والمكاسب غير مؤكدة).
في العام 2003 ارتكبت ادارة بوش خطأ تاريخيا بشن حرب لنزع أسلحة نظام ادعوا أنه يمتلك أسلحة دمار شامل دون أدلة كافية على أن التهديد العراقي كان وشيكا, وبدون دعم دولي كاف, ومن دون خطة لما بعد الحرب. لا يمكن أن نقع في هذا الخطأ مرة أخرى.