عبد الرحمن الراشد
الأتراك هم أكبر جيران سوريا، ولهم من النفوذ ما لا يستهان به داخل سوريا نفسها، خاصة في مناطقها الشمالية. وأصبح لدى الأتراك شيء من الشرعية للتدخل دفاعا عن مصالحهم، وسيادتهم التي تعرضت للانتهاك مرات عدة، من قبل قوات النظام السوري. ولا ننسى أن ما يحدث في سوريا يهدد أمن تركيا، سواء بقي النظام أو سقط. فهي تخشى من عودة الانفصاليين الأتراك الأكراد ضدها بعد أن تمكنت من سحقهم، الذين كلفوها أكثر من أربعين ألف قتيل في حروب العصابات الماضية. وتخاف أيضا من الجماعات الإرهابية الذين قد يسدون الفراغ الذي يخلفه سقوط النظام، كما تخشى من النظام السوري إن نجا من السقوط فسيتآمر عليها انتقاما.
وعندما أسقطت الدفاعات السورية طائرة عسكرية تركية أول من أمس كان متوقعا أن ترد تركيا عسكريا، خاصة أنها حذرت النظام السوري أنها لن تسكت على كثرة الاعتداءات التي قامت بها قوات سورية عبر الحدود التركية. لكن تركيا خيبت آمال الكثيرين، وسبق أن خيبت آمالهم عندما تعهدت كلاميا أنها لن تترك الشعب السوري يذبح. وتركيا جار ضخم، تملك من الإمكانات العسكرية ما يجعلها قادرة على الانتصار في أي مواجهة عسكرية، وستجد نفسها مرحبا بها من قبل غالبية الشعب السوري كمنقذ من نظام مجرم لم يمر يوم واحد لم يقتل فيه عشرات المدنيين العزل. ما الذي يمنع أن تكون تركيا مثل الولايات المتحدة عندما أنقذت فرنسا من الاحتلال النازي الألماني، أو تفعل للسوريين ما فعلته السعودية وأميركا، حيث أخرجتا قوات صدام المحتلة من الكويت؟ ويمكن أن يلعب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، الدور الذي قام به بيل كلينتون، الرئيس الأميركي الأسبق، في إنقاذ البوسنة والهرسك وكوسوفو. تركيا توحي بأنها راغبة في التدخل لوقف المذابح وإلجام نظام الأسد، إنما تبدو أيضا خائفة، لماذا وهي لديها من القدرة والإمكانية العسكرية ما يجعل فوزها ضد نظام الأسد سهلا، خاصة أن قواته منهكة ومكروهة شعبيا، أو كما قال رئيس وزراء قبرص السابق الذي عندما سئل عن مشروع التسلح قال لا فائدة من ورائه لأن تركيا تملك قوة عسكرية هائلة تمكنها من الفوز علينا في بضع ساعات؟!
السبب في نظري أن الأتراك الذين خاضوا آخر معاركهم الفردية في أغسطس (آب) عام 1974 ضد القبارصة اليونانيين وانتصروا سريعا، لا يرغبون في أن يكونوا طرفا في الحروب إلا تحت علم دولي. وهذا أمر متعذر بسبب laquo;الفيتوraquo; الروسي والصيني، أو أن يكونوا طرفا مع قوات laquo;الناتوraquo;، أي سيناريو ليبيا، لكن حلف الناتو لا يبدو راغبا هو الآخر في خوض المعركة ضد الأسد. الأتراك يفضلون أن يكونوا جزءا من حملة دولية، فتركيا عضو كبير في حلف الناتو، حيث إن قواتها العسكرية البشرية تعد الدولة الثانية، بعد الولايات المتحدة، فجيشها يقارب 750 ألف جندي.
أما لماذا لا توجد لدى الأتراك شهية لقتال النظام السوري رغم ما فعله بهم، وأحرجهم أمام الرأي العام في المنطقة؟ ربما لأن الأتراك يأملون في أحد أمرين: أن ينهار نظام الأسد بسبب استمرار الثورة التي أرهقته، أو أن يضج المجتمع الدولي من جرائمه ويصل إلى اتفاق ضده.. حينها تكون تركيا هي رأس الحربة وتدخل دمشق تحت العلم الدولي. الاحتمال الثاني مستبعد بسبب الموقف الروسي المنحاز تماما للنظام السوري. ومعروفة مخاوف تركيا؛ داخليا هي تخشى أن حربها في سوريا تفتح عليها جبهات مع الجماعات الانفصالية أو المعارضة مثل الكردية والأرمينية، أو أن تشن إيران جبهة ضدها. لكن هذه مبررات واهية لأن تركيا دولة أقوى عسكريا واقتصاديا من إيران، وستحصل على دعم حلف الناتو، ثم إن النظام السوري يترنح مهما بدا رئيسه صامدا. في نظري، تركيا التي ترددت طويلا وسكتت على إهانات النظام السوري وخيبت آمال الذين ظنوها أسدا هصورا، ستصل إلى مرحلة تضطر فيها إلى التدخل حماية لمصالحها، الفارق أنها لو تدخلت الآن فستحصل على دعم شعبي ومعنوي هائل من العرب والكثير من المجتمعات الأخرى الكارهة لجرائم النظام.
التعليقات