خليل حسين

ظن السودانيون أن انفصال جنوبهم سيكسب النظام مزيداً من الوقت لترميم وضعه، إلا أن سنة كاملة على الانفصال كشفت المزيد من المشكلات البنيوية التي يعانيها النظام أصلاً، واتجهت الأمور إلى مزيد من التعقيد في الوضعين الداخلي والخارجي .

فبعد سنة على الانفصال تأجج الصراع مجدداً، وتبدلت صورة الصراع من صراع داخلي إلى صراع بين دولتين، لكل منهما خصائصها ومكوناتها في إدارة الأزمات وطرق إطلاقها والتحكم فيها . لكن الأخطر من ذلك انكشاف نظام الشمال وكذلك جنوبه على أن مشكلته بنيوية، ومن الصعب إعادة إحيائه بطرق تقليدية إصلاحية، وثمة من يقول إن الخرطوم التحقت فعلياً بركب الحراك العربي الذي سيفضي إلى متغيرات، ولو أن من الصعب التكهن بنتائجها الوردية .

ترى المعارضة أن ضعف رؤية الحكومة للخروج من مأزق تردي الأوضاع الاقتصادية، هو غياب السياق السياسي الملائم الذي تتم فيه المعالجة، فالأسباب التي أدت إلى تردي الأوضاع، هي الفشل في إدارة عملية اقتصادية محاطة بتعقيدات سياسية، أدت بدورها إلى انسداد الأفق الاقتصادي والسياسي والأمني للعديد من الأسباب أهمها: عدم تقدير الأثر الاقتصادي لانفصال الجنوب، وضعف التقدير السياسي لنتائج الاستفتاء الذي قاد إلى الاستخفاف باستحقاقات ما بعد الاستفتاء التي يُطلَق عليها (القضايا العالقة) بين دولتي السودان، والتي جعلت السودان يعاني الاضطراب الأمني بسبب اشتعال الحرب بين الجنوب والشمال في هجليج، وقبلها أبيي . وكذلك الموقف الدولي من حكومة الإنقاذ لجهة التوجس من الهوية الإسلامية، أو تنديده بحرب الجنوب سابقاً، وحرب دارفور ابتداءً من ،2003 ما أدى إلى مقاطعة اقتصادية وعزلة إقليمية ودولية انفرجت حيناً واشتدت أحياناً أخرى .

نتيجة لذلك انطلق الحراك الشعبي في 21 حزيران / يونيو الماضي تحت شعارات إصلاحية اقتصادية، سرعان ما تحوّلت إلى شعارات لإسقاط النظام . واستطاعت المعارضة تحقيق مكاسب موصوفة من بينها، كسر حاجز الخوف والتردد في الخروج إلى الشارع والمواجهة، كما تمكنت المعارضة من تسويق برنامجها ووضعه في أولويات الاهتمام الدولي وأشعرت الحكومة بجدية التحدي الذي تواجهه .

ثمة مجموعة من عوامل القوة والضعف التي تحيط بالمعارضة والنظام، وبالتالي فإن تحديد مستقبل هذا الحراك مرهون بهذه العوامل ومدى الشد والجذب الذي يمارسه الطرفان في إدارة الأزمة القائمة .

فسوء الوضع الاقتصادي يمثل العنصر الأقوى للمعارضة التي تراهن عليه في جلب الشارع إلى جانبها، إذ منه انطلقت شرارة الحراك . وما يعزز قوة هذا الحراك عوامل الضعف التي تحيط بالنظام نفسه سياسياً: تتكون الحكومة من نحو 15 تنظيماً، أبرزها المؤتمر الوطني، والباقي عناوين تفتقد إلى التمثيل الفعلي . كذلك فقدان الثقة بالحكومة وبسياساتها، كما جبهة الحرب التي تواجه الحكومة بدءاً من الحدود الإثيوبية وعلى امتداد الحدود السودانية مع دولة جنوب السودان لأكثر من ألفي كيلومتر، مروراً بدارفور حتى الحدود مع ليبيا . كما أن السودان يعاني اليوم كغيره من معظم المجتمعات، غياب حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وغياب تداول السلطة، ما يعزز الحراك السوداني وتكامله مع محيطه الإقليمي العربي الأقرب: مصر وليبيا التي أحرزت شيئاً ما حتى الآن .

تراهن الحكومة على متغيرات اقتصادية تمتص من خلالها نقمة المجتمع، لكن أغلبيتها ليست قابلة للتطبيق . أما خيار الحكومة الانتقالية فدونها أيضاً عقبات جمة، ويبقى حراك المعارضة الشعبية الذي ربما سيتعاظم قريباً ليأخذ اتجاهات أكثر تأثيراً في كيفية التغيير .

يعدّ المجتمع السوداني من المجتمعات العربية المثقفة تثقيفاً حزبياً عالي النوعية، ومن المعروف عنه أيضاً إسقاطه لنظامين عسكريين في العامين 1964 و،1985 فهل سيعيد الكرة مجدداً؟ الجواب مرهون بعناصر القوة التي تتمتع بها القاعدة الشعبية في المجتمع السوداني والتي سيتقرر مصيرها في القادم من الزمن .