لندن


فاجأ الدكتور جهاد مقدسي العالم باسره، واعداء نظام بلاده على وجه الخصوص عندما تطوع بالكشف عن ترسانة سورية من اسلحة الدمار الشامل، وتوجيه تهديد صريح بانه سيجري استخدامها في حال تعرض البلاد لاي هجوم خارجي.
المفاجأة تأتي من ان الدول التي تملك مثل هذه الاسلحة تفضل اخفاءها عن الاعين، وعدم الاعتراف بوجودها، ومن المؤكد ان الدكتور مقدسي لم يقدم على مثل هذه الخطوة الا بعد مشاورات مكثفة مع رؤسائه الذين اوعزوا له، وفي مثل هذا التوقيت، بالاعلان عن وجودها.
التوقيت على درجة كبيرة من الاهمية، وكذلك التهديد باستخدام هذه الترسانة، فاسرائيل وعلى لسان وزير دفاعها ايهود باراك الذي زار الحدود مع سورية لم يتردد في الكشف عن نوايا حكومته في مهاجمة سورية تحت ذريعة 'تأمين' ترسانتها من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، وردد متحدثون امريكيون الاسطوانة نفسها عندما اعربوا عن خشيتهم من وصول هذه الاسلحة الى جماعات اسلامية متشددة، وركزوا على 'حزب الله' وتنظيم 'القاعدة' على وجه الخصوص.
النظام السوري اراد ان يوجه رسالة واضحة الى اسرائيل وامريكا بانه سيستخدم كل ما في جعبته من اسلحة في حال اقدمت الدولتان على غزو بلاده على غرار ما حدث في ليبيا وقبلها العراق، بمعنى آخر انه لن يستسلم، ويرفع الراية البيضاء لانه يدرك ان اي تدخل سيطيح به، ويقدم جميع رموزه، اي النظام، الى محاكم تنتهي باعدامهم جميعا، او معظمهم، على غرار ما حدث في العراق.
لا نعرف ما اذا كان هذا التهديد باستخدام اسلحة دمار شامل هو دليل ضعف ام دليل قوة، فكلا الاحتمالين واردان دون ادنى شك.
النظام السوري واجه في الاسابيع الثلاثة الماضية اوقاتا عصيبة للغاية، فقد استولت قوات المعارضة، والاسلامية المتشددة منها، على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، كما دخلت هذه القوات احياء بارزة في قلب العاصمة دمشق، والاكثر من ذلك جرى اختراق مجلس الامن القومي امنيا واغتيال اربعة من كبار جنرالات النظام، هم وزير الدفاع ونائبه ورئيس مجلس الامن القومي ووزير الداخلية.
هذا الاختراق الامني الخطير وتزامنه مع هجمات على العاصمة، وفقدانه اي النظام السيطرة على المعابر الحدودية، دليل على لحظات ضعف، ولا شك في ذلك، ولكن نجاح قوات النظام في استعادة السيطرة على الاحياء التي خسرتها في دمشق وحلب بسرعة قياسية ربما اعاد الكثير من الثقة الى النظام، وهي ثقة يمكن ان تتعزز اذا ما نجح في استعادة السيطرة على المعابر الحدودية مثلما توعد في تصريحات اعلامية اطلقها بعض المسؤولين البارزين.
الاسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية في مكان آمن حتما، فهي قوة الردع الابرز لدى النظام في مواجهة اسرائيل، ومن الواضح انه يريد ادخارها للاوقات الصعبة، ولن يفرط فيها تحت اي ظرف من الظروف في ظل تصاعد التهديدات التي تستهدفه من دول الجوار العربي والتركي والاسرائيلي.
لا توجد اي معلومات مؤكدة تفيد او توثق نقل اسلحة دمار شامل سورية الى حزب الله اللبناني، ولكن ليس هناك ما يمنع حدوث ذلك، فاذا كانت تقارير غربية تحدثت عن نقل صواريخ سكود سورية الى الحزب، واذا كان السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله كشف في خطابه الاخير بان معظم الصواريخ التي اطلقها على اسرائيل اثناء عدوان تموز (يوليو) عام 2006 كانت سورية الصنع، فلماذا لا يتم ايضا نقل مثل هذه الاسلحة الكيماوية الى الحليف اللبناني الاوثق؟
الاعلان السوري المفاجئ حول ترسانة اسلحة الدمار الشامل، والتهديد باستخدامها، اربك الامريكان والاسرائيليين معا، فاللهجة التهديدية التي كان يستخدمها المسؤولون في البلدين تجاه سورية تراجعت كثيرا، وباتت اقل حدة واكثر تصالحية. وربما لهذا السبب صدرت تصريحات منسوبة لبعض رموز المجلس الوطني السوري تؤكد القبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة احد شخصيات النظام.
صحيح ان السيدة بسمة قضماني احدى قيادات المجلس الوطني المعارض نفت هذه التصريحات التي ادلى بها زميلها جورج صبرا المتحدث باسم المجلس، ولكن هذا التضارب في التصريحات علاوة على كونه يعكس الخلافات داخل المجلس، فانه في الوقت نفسه يعكس تغيرا، ولو طفيفا في صفوف دول اصدقاء سورية بعد الكشف عن ترسانة اسلحة الدمار الشامل.
الازمة في سورية مرشحة للاستمرار لفترة اطول مما توقعه الكثيرون، ومن الواضح ان النظام لن يسقط بعد ايام او اسابيع معدودة مثلما تأمل فصائل المعارضة، والقوى الداعمة لها، وهذا يتضح من خلال تصاعد حدة شراسته في قصف وتدمير احياء وقرى ومدن بكاملها فوق رؤوس ساكنيها من اجل البقاء.