عباس الطرابيلى
سويعات.. وتتم الولادة القيصرية المتعسرة، للحكومة المصرية.. ثم تؤدى الحكومة اليمين الدستورية معلنة بداية فترة حكم جديد.. هى بأى المقاييس أفضل من لا شىء!!
ولا أحد شبه معروف من أعضاء هذه الحكومة الجديدة.. وهى ستكون حكومة جديدة.. فلا أحد يعرف شيئا حتى أى من أعضائها.. وحتى المعروف عن رئيسها هو أقل القليل.. ورغم ذلك علينا أن نقبله.. وأن نتقبلها، فقد قضى الأمر المهم أن تبدأ هذه الحكومة العمل.. لتنقذ ما يمكن انقاذه، إن كان قد بقى شىء يصلح للإنقاذ فى هذه البلاد.
وأعترف بأننى كنت من المفضلين لبقاء حكومة الدكتور الجنزورى لتدير أمور البلاد والعباد لأن الرجل خبرناه، وعرفناه.. ونعرف امكانياته وقدراته.. على الأقل أنه ليس بحاجة إلى وقت كبير كى يعرف من أين يبدأ.. فهو الوحيد الذى يعرف كل صغيرة وكبيرة فى مصر، ليس منذ جاء خلفًا لحكومة الدكتور عصام شرف، ولكن منذ عشرات السنين، عندما كان وزيرًا للتخطيط ثم رئيسا لحكومة مصر، حتى إنه كان يقال عليه أنه آخر رئيس وزراء محترم فى مصر، فكل شىء مدروس.. يقرأه كما يقرأ كف يده.. ويكفى أنه الوحيد الذى رفض أن يكون مديرًا لمكتب رئيس جمهورية مصر، ولو بدرجة رئيس وزراء.
lt;lt; أما وها هى حكومة الدكتور هشام قنديل على وشك أداء اليمين الدستورية.. فماذا نريد منه، ومنها.. بل ماذا نتوقع منه ومنها.
بداية نبدأ من حيث نعرف الدكتور قنديل، نقصد نعرفه وزيرًا للموارد المائية والرى.. وهو ملف أراه من أخطر الملفات المصرية الآن.. فماذا هو فاعل بهذا الملف الآن، ومصر على حافة عصر من العطش المائى الخطير.
فقد انخفض نصيب المواطن المصرى من المياه منذ ولدت مصر أربعة شعوب بالتمام والكمال، منذ ثبتت حصة مصر من مياه النيل عند 55٫5 مليار متر مكعب من مياه النهر كل عام، وكان ذلك عام 1959، والرجل يعلم أنه لا أمل فى الحصول على متر اضافى من مياه النهر بعد الآن.. بل هناك من دول حوض النيل العشر - غيرنا - من يطالب بإعادة النظر فيما تحصل عليه مصر من مياه وأن ذلك يجب أن يقل عن حصتها التاريخية.. لا أن تزيد.. ويعلم أن بين دول حوض النيل الآن صقورًا ولم يعد بها أحد من الحمائم.. وما كنا نعتبره من الأصدقاء، أصبح من المتربصين بمصر الآن: فى رواندا. وبوروندى.. وأوغندا ودعك من كينيا وتنزانيا.. والصقر الأكبر: إثيوبيا.
lt;lt; والدكتور قنديل، منذ عمل فى المجلس القومى لبحوث المياه ثم بعد أن أصبح كبير خبراء الموارد المائية فى البنك الأفريقى للتنمية.. وعمل فى مشروعات تنمية الموارد والرى فى العديد من الدول الإفريقية.. حتى أصبح داخل الصندوق الأسود لكل المعلومات عن النيل عندما كان مدير لمكتب وزير الرى لسنوات عديدة.. منذ كل ذلك وهو يعرف الكثير.. ويعرف أيضًا أسرار الحرب الدبلوماسية - التى كانت ناجحة - التى أرادها الدكتور محمود أبوزيد أطول وزراء الرى المصرى عمرًا فى الوزارة فى القرن العشرين كله.. أى هو يعلم أن ملف النيل هو الملف رقم واحد الموضوع على مكتبه ولكن هذه المرة كرئيس لحكومة مصر.. فماذا هو فاعل.
lt;lt; هل يواصل حرب الدبلوماسية التى تطول وتطول ويبدو أن ليس أمامنا إلا هى الآن.. أم يرفع من لهجة التعامل مع دول حوض النيل على الأقل حماية لحقوق مصر التاريخية فى مياه هذا النهر، الذى كان إذا ذكر النيل تذكر العالم أنه هو مصر!! نقول ذلك وهناك اتفاقيات ومعاهدات تحفظ لمصر هذه الحقوق منذ القرن 19.. أم نتمسك بحقوق تعطيها لنا معاهدات laquo;الدول المتشاطئةraquo; أى التى تعيش على ضفاف نهر واحد لها كل الحقوق.. وعليها كل الواجبات التى تكفلها لنا مثل هذه الاتفاقيات الدولية.. أم نلوح بالقوة واستخداماتها، رغم أن القوة لا يفترض أن تكون حربًا بالجيوش، بل بالضغوط.. مع أننا نعلم أننا خسرنا كل رصيدنا ليس لدى دول حوض النيل وحدها.. ولكن لدى كل دول القارة الإفريقية.. منذ أعطت مصر ظهرها لدول القارة.. وحتى لدول الاتحاد الإفريقى التى كانت مصر إحدى الدول - الكبرى -التى انشأت هذا الاتحاد.. ولكن علينا أن ندفع الآن ثمن ابتعادنا عن دول إفريقيا بسبب محاولة الاغتيال المشئومة التى تعرض لها الرئيس حسنى مبارك عام 1995.. فى أديس أبابا.
lt;lt; إذن الملف شائك للغاية.. وإذا كان الدكتور قنديل سيعطى لهذا الملف اهتماما خاصا ليس بحكم أنه كان وزيرًا للرى، ولكن بحكم أنه يفترض أن يعرف خبايا هذا الملف.. وتبعات استمرار ابتعاد القاهرة عن باقى دول الحوض.
وحتى الآن لا أحد يعرف من سيتولى ملف وزارة الرى المصرية وهل هو من داخل هذه الوزارة ويعرف كل دهاليزها - وكم أتمنى أن يكون هو الدكتور عبدالفتاح مطاوع الذى عمل فى هذا الملف لسنوات عديدة.. مع أننى أفضل رجلاً من داخل الوزارة.. فمصر يجب ألا تضيع وقتًا أكثر من الذى ضاع بين شد وجذب خصوصًا حول ما قيل ونشر عن اتفاقية عنتيبى.. التى وقعتها أغلبية دول الحوض بعيدًا عن مصر وأيضا عن السودان بدولتيه الشمالية والجنوبية.
lt;lt; إننى أتمنى أن يتقدم الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية المنتخب بدعوة عاجلة لعقد مؤتمر عالمى - بالقاهرة - لبحث أسس التعامل الجديدة مع دول حوض النيل بشقيها الشرقى والاستوائى. وأن تحضره أيضًا الدول المانحة للمساعدات.. وأن تتم الجلسات بمشاركة من الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة.. وأن تتحاور كل هذه القوى - خصوصًا الدول المانحة وفى مقدمتها التنين الأصفر الصينى العملاق.. وأيضا إيطاليا التى تريد أن تعود إلى القارة من الشباك، بعد أن خرجت منها من الأبواب.
lt;lt; وأن نتفق كلنا على استراتيجية جديدة تعظم من استخدامات ما هو متاح تحت أيدينا من مياه.. وهى أكبر مما يتصور كل المتفائلين لكى نعيد اقتسام هذه المياه.. وفق الاحتياجات الفعلية، غير المغالى فيها. وبعيدًا عن أى وسائل للضغط أو التهديد باستخدام حرب المياه.
lt;lt; هذا هو الملف الأخطر الذى يجب أن تبدأ به الحكومة الجديدة مهامها وسط هذا الجو الملغم.. الملبد بالغيوم.. لأنه هو ملف المستقبل قبل أن يداهمنا هذا المستقبل بغيومه الخطيرة.
التعليقات