جون جينكنز
في شهر سبتمبر من عام 2011 أصدر خادم الحرمين الشريفين قرارا يقضي بمشاركة المرأة السعودية في مجلس الشورى وللمرة الأولى كعضوة، وأيضا بالمشاركة في المجالس البلدية ترشيحا
وتصويتا. وعلى الرغم من أن هذا القرار لم يكن الأول في تعزيز دور المرأة في المجتمع، حيث قد سبقه عدة قرارات تتعلق بتعيين عدد من السيدات في مناصب مرموقة في الدولة في مجالات التعليم والصحة ووزارة الخارجية وفي مجلس الشورى نفسه، إلا أن منح المرأة الفرصة لخدمة مجتمعها من خلال عضويتها الكاملة في مجلس الشورى كان له ردود فعل ايجابية على المستويين المحلي والدولي.
وفي يوم الجمعة الماضي اصدر خادم الحرمين الشريفين قرارين تاريخيين متعلقين بتنظيم مجلس الشورى الجديد،على ألا يقل تمثيل المرأة عن 20% من الأعضاء. بعد صدور القرار بثوان، امتلأت المواقع الاليكترونية بالتعليقات وبأسماء العضوات اللائي اختارهن الملك عبدالله ليكن أول عضوات لمجلس الشورى في تاريخ المملكة العربية السعودية. وقد اكد الملك عبدالله في قراره على ان المرأة ستحظى بكامل العضوية وتتمتع بكامل الحقوق وتلتزم بالواجبات والمسؤوليات ومباشرة المهمات.
وقد عكست العناوين الرئيسية لصحف المملكة يوم السبت الماضي جوا من التفاؤل حيث كان الترحيب من الرجال اكثر منه من النساء. فربما قد تنفس الرجال الصعداء بأن امور المرأة ستهتم بها المرأة ولذلك كان الرجال من اوائل المرحبين بالقرار ومن اوائل المهنئين به.
ربما يظن البعض ان نسبة ال 20% غير كافية لتحقيق التوازن داخل المجلس وهذا ربما يكون صحيحا في الامور التي تتعلق بالمرأة فقط، ولكن في رأيي ان العبرة بالكفاءة والخبرة والتخصص وليس فقط بالعدد، وهذا ما اتضح من القائمة التي ضمت العضوات فجميعهن من صاحباب الخبرات الدولية الرفيعة في جميع المجالات، ومنهن من تتمتع بخبرات ادارية وعلمية من الطراز الاول من خلال عملهن في المنظمات الدولية ومراكز الابحاث العالمية.
وبما ان المرأة نصف المجتمع، وتشارك فيه كسيدة اعمال أو خبيرة اقتصادية أو طبيبة أو استشارية أو خبيرة تربوية أو معلمة أو مصرفية أو دبلوماسية، فمن الخطأ ان يعتقد البعض، فضلا عن العضوات انفسهن، بأن عمل المرأة داخل المجلس سيقتصر على الامور المتعلقة بها فقط، وبما ان هذه الامور تهم الرجل ايضا ويتم مناقشتها في المجلس فمن البديهي ان يكون للمرأة دور في مناقشة وحسم تلك الامور ايضا. ولذلك فانه يبدو لي أن المرأة داخل المجلس ستكون مشغولة اكثر من الرجل، لأنه سيقع على عاتقها امورها الخاصة بالاضافة الى الامور المتعلقة بالمجتمع ككل.
كان من الرائع ان يقوم معالي رئيس هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بتهيئة المجتمع لهذه النقلة النوعية وذلك من خلال استحضار امثلة عن دور المرأة في عصور الاسلام الاولى وكيف كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستشير المرأة وينزل الى رأيها. وقد اوضح معاليه ان الخلفاء الراشدين والصحابة الاجلاء قد استمروا على هذا النهج في استشارة المرأة المسلمة في امور الدين والدنيا.
ما من شك ان قرار الملك عبدالله هو قرار تاريخي وكما اشرت في بداية هذا المقال ان العناوين الرئيسية وافتتاحيات الصحف قد اشادت به وبما سيسفر عنه من نتائج ستصب في مصلحة المجتمع رجالا ونساء. هذه طبعا البداية فقط. ومن خلال متابعتي، فإنني اشعر ان الملك عبدالله يعمل من خلال جدول زمني ويأخذ في اعتباره خصوصيات المجتمع السعودي، وهو كمسؤول عن تحقيق المصلحة العامة للدولة يولي توقيت اتخاذ القرار نفس الاهمية التي يوليها للقرار نفسة.
بقي ان اقول ان الاعلام يجب ان يلعب دورا مهماً في تهيئة المجتمع ليس فقط لتقبل الفكرة ولكن ايضا لاعطاء العضوات الفرصة حتى يثبتن اقدامهن داخل المجلس ويتعودن على انظمته وآلية العمل داخله، وخصوصا ان معظمهن جئن من جهات مستقلة وربما من منظمات دولية تختلف فيها آلية اتخاذ القرار عما هو عليه داخل المجلس. ويذكرني هذا الموقف بدخول الاعضاء الجدد اروقة مجلس العموم ومقرات الحكومة بعد الانتخابات العامة في 2010 في بريطانيا حيث كانوا يتخبطون ولا يعرفون اماكن مكاتبهم، ولكن بمرور الوقت فقد تعودوا على النظام وتعلموا الوصول الى مكاتبهم من اقصر الطرق.
* سفير المملكة المتحدة لدى الرياض
التعليقات