بيروت - فيرونيك أبو غزاله

من يشاهد الساحات وأروقة المباني التي تغصّ بآلاف الأشخاص القادمين من مختلف المناطق اللبنانية، ومن يلحظ تلك الحماسة الكبيرة التي تسري في نفوسهم وتجعلهم ينتظرون ساعات طويلة من دون تذمّر، يعتقد للوهلة الأولى أنّ هناك قضية كبرى يتظاهر من أجلها الحاضرون. لكن تلك الساحات كلّها ليست سوى المكان الذي يجتمع فيه طالبو المشاركة في برامج اكتشاف المواهب العديدة المنتشرة على مختلف قنوات التلفزة المحلية والعربية.

يندفع هؤلاء إلى هذه البرامج بأعداد غفيرة، على رغم علمهم بأنّ عدداً محدوداً جداً منهم سيُقبل ضمن البرنامج، ليكون هناك أخيراً نجم واحد رابح. وتبقى نجومية الرابح واستمراريته مربوطتين بمدى قوة شركة الإنتاج التي يتعامل معها. وهذه laquo;الحمىraquo; لا تستثني أياً من الفئات العمرية، فالأطفال ينتظرون دورهم، تماماً كالكبار الذين تتجاوز أعمار بعضهم الخمسين، وهم ما زالوا يرون أنّ باب الشهرة يمكن أن يُفتح لهم.

حبّ الأضواء

من بين الجموع الغفيرة التي تنتظر دورها للدخول أمام لجنة التحكيم في أحد برامج اكتشاف المواهب، التقت laquo;الحياةraquo; الأربعيني مصطفى حمود الذي قدم من جنوب لبنان ليشارك عن فئة الغناء. مصطفى الذي يغنّي اليوم في مطعم، يتمنّى أن يصير نجماً عربياً وتوقّع معه العقود التي تدرّ عليه مالاً وفيراً. وهو يصنّف موهبته بالمتوسطة، لكنّه يرى أنّ الأشخاص الذين يفوزون في البرامج ليسوا أفضل منه مستوىً، ويكفيه أن يدخل أمام لجنة الحكّام ومقابلة الفنّانين المعروفين والظهور أمام الملايين حتّى ولو لم يدخل المنافسة.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى سماح خالد التي تحلم بالأضواء منذ صغرها، وهي تنتظر اللحظة الملائمة لتظهر موهبتها للملايين. وبما أنّها عاطلة من العمل، فهي تتمنّى أن يكون مستقبلها في المجال الفنّي. أمّا القلق الوحيد الذي يساور المشتركين، فهو أن يتعرّضوا للنقد الحاد من جانب لجنة الحكم، أو حتّى الاستهزاء والسخرية، كما حصل مع مشاركين كثر. لكن أياً كانت النتيجة، فمجرد الظهور أمام الكاميرا يُعد الإغراء الأكبر للمشاركين من لبنان، لأنّهم سيتحوّلون إلى حديث الساعة، أقلّه بين أهلهم وفي محيطهم. وهذا ما يذكّر بالمفهوم الإعلامي الذي نشره الفنّان الأميركي أندري وارهول، وهو laquo;15 دقيقة شهرةraquo; (15 minutes of fame)، إذ أنّ الظهور على التلفزيون وحده يُعد إنجازاً بالنسبة إلى عدد كبير من المشاركين، حتى وإن لم يجتازوا مرحلة التصفية الأولى.

الهوس بالشهرة طاول حتّى سلوكات الأسر في لبنان، وكان لبرامج اكتشاف المواهب الدور الأكبر في ذلك. فقد بات من أولويات الأهل مساعدة أولادهم لتنمية مواهبهم، بعدما رأوا أنّ هناك مئات الأطفال الذين يشاركون في مثل هذه البرامج ويحقّقون مراتب جيّدة، على رغم المنافسة الشديدة مع الأكبر سنّاً.

ويؤكد ناجي رجا، وهو مدير مدرسة خاصة لتعليم الفنون كالرسم والرقص والعزف والغناء، أنّ هناك طلبات متزايدة للانتساب، سنة بعد أخرى. وغالباً ما يقارن الأهل بين أولادهم والأطفال الذي يشاركون في مثل هذه البرامج. ويعطي رجا مثلاً على ذلك، فبعد النجاح الكبير الذي حقّقه الطفل اللبناني جاد صبيح (عُرف باسم جادو) ضمن برنامج Arabrsquo;s got talent، بات الكثير من الأهل لا يمانعون أبداً تعلّم أبنائهم غناء laquo;الرابraquo; ورقص الـraquo;هيب هوبraquo;، لا بل يجدون ذلك مهمّاً لأولادهم. ويدرّب رجا العديد من الأولاد الذين يملكون طموح المشاركة في برامج المواهب، وهم يلقون الدعم الكامل من أهلهم، وهذا ما لم يكن مُعتاداً من قبل.

في المقابل، تلفت الباحثة الاجتماعية رغد رضا إلى أنّ هناك محاذير يجب التنبّه إليها في هذا المجال، فهناك دور رئيس للأهل لجهة توعية الأطفال كما المراهقين على تبعات المشاركة والخسارة من جهة، أو الحفاظ على براءتهم واتصالهم بالواقع في حال استطاعوا الوصول إلى مراتب أعلى من جهة أخرى. وترى رضا أنّ الشهرة المبكرة مؤذية جداً على المدى البعيد، وهي تنتزع من الولد أجمل سنوات طفولته لتضعه تحت الأضواء دائماً. كما تشير رضا إلى أنّ برامج اكتشاف المواهب باتت طريقة سريعة لاكتساب الشهرة. وهذا ما يعلّم الأجيال الجديدة أنّ هناك وسائل سهلة في الحياة للوصول إلى أعلى المراتب والحصول على الأموال، بدلاً من بذل الجهود والتفاني في العمل. لذا تشدّد على ضرورة مواكبة نفسية الطفل عند مشاركته في مثل هذه البرامج، فيما يحتاج الأشخاص الأكبر عمراً، وخصوصاً في مرحلة الشباب، إلى توجيه حقيقي من الناحية المهنية، خصوصاً أنّ بعضهم يتنقّل من برنامج إلى آخر ويسجّل اسمه في كلّ موسم جديد على رغم الإقصاء. وهذا ما يظهر وجود مشكلة حقيقية تتعلّق برؤية الشخص لنفسه ولطموحاته.