يوسف عبدا لله مكي
هل ما حدث من تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية، هو نتاج تراجع في القوة الاقتصادية لأميركا، أم أن ثمة صفقة تم عقدها بين الأميركان والروس، تفاصيلها لا تزال مجهولة
اتضح بشكل لا يقبل الجدل، أن قطار السياسة الدولية، انتهى إلى مرحلة مغايرة، يمكن أن نطلق عليها مجازا مرحلة الاسترخاء. ويبدو أنها تعبد لخلق نظام دولي جديد، تتراجع فيه سطوة الولايات المتحدة الأميركية على صناعة القرار الدولي، لصالح منظومة بريكس، بقيادة قيصر روسيا. ويبدو أن الإدارة الأميركية، من خلال سلوكها هذا تعيد للمفهوم التقليدي للسياسة حضوره من جديد. فالسياسة كما توصف في العلوم السياسية، هي فن الممكن.
تخلي الإدارة الأميركية عن الملف السوري لصالح روسيا الاتحادية، هو علامة فارقة في السياسة الدولية. وأبرز ملامح هذا الانتقال، هو تغيير نمط الحل للأزمة السورية من الحالة الصراعية، إلى الحل السياسي. ورغم أن هذا الانتقال، بلغ قمته، بعد التراجع عن الضوء الأخضر، الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما بضرب عماد القوة العسكرية السورية، لكن الواقع يشير إلى أن هذا التوجه بدأ مع quot;جنيف1quot;.
فما شهده العالم مؤخرا، هو تصريحات رخوة متكررة، من قبل أقطاب الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم وزير الخارجية، جون كيري، تؤكد على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد والممكن للأزمة السورية، يقابله ثبات على الموقف من قبل إدارة الرئيس الروسي بوتين، التي لم يتغير موقفها المساند للنظام السوري منذ بداية الأزمة. والنتيجة أن ما نادت به الإدارة الروسية منذ وقت طويل، هو الذي تحقق الآن على الأرض.
وهنا نطرح السؤال: هل ما حدث من تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية، هو نتاج تراجع في القوة الاقتصادية لأميركا، أم أن ثمة صفقة تم عقدها بين الأميركان والروس، تفاصيلها لا تزال مجهولة. هناك تسريبات تشير إلى احتمال فتح روسيا بوابات الاستثمار في صناعة الغاز للإدارة الأميركية. تسريبات أخرى، تقول عن تعهدات صينية وروسية بتقديم دعم كبير للاقتصاد الأميركي. وفي كل الأحوال، فإن للغة القوة مفرداتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
إن قوى دولية تتجه نحو الأفول وأخرى تتقدم إلى الأمام. والأميركان يعلمون أن ربيع قوتهم، لم يعد ربيعا، وأن قوى فتية أخرى، تستعد لقيادة العالم، أو على الأقل للمشاركة الفعلية في تلك القيادة.
هل سيعقد مؤتمر quot;جنيف 2quot; المقترح لحل الأزمة السورية؟
هناك عدة سيناريوهات لعل الأبرز بينها تأجيل انعقاد المؤتمر لحين موافقة الائتلاف الوطني المعارض على الالتحاق بالمؤتمر. ويذكر في هذا السياق أن وفدا من الائتلاف وصل أو في طريقه للوصول إلى موسكو للتباحث مع المسؤولين الروس في موضوع عقد المؤتمر. وهناك تسريبات روسية عن احتمال انعقاد المؤتمر في شهر فبراير من العام القادم.
السيناريو الآخر، يقول بإمكانية اعتبار جنيف اثنين مؤتمرا دوليا، وليس مقتصرا على أطراف الأزمة فقط. وفي هذه الحالة لن يكون هناك ما يمنع من انعقاده، بغياب المعارضة السورية، ما دامت مختلف الأطراف الدولية قد وافقت على ذلك. وقد تشارك تركيا وقطر وتركيا وإيران والأردن، كقوى إقليمية أو داعمة إما للنظام أو المعارضة، إضافة إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في هذا المؤتمر.
السيناريو الثالث، هو أن يعقد المؤتمر بمن حضر، من أطراف المعارضة. وفي هذه الحالة تلتحق بالمؤتمر التنسيقيات التي يرأسها حسن عبد العظيم، والتي تضم مجموعة من الأطراف السياسية، التي رفضت منذ البداية الحلول الأمنية من قبل النظام وتحول الانتفاضة من طابعها السلمي إلى العمل المسلح،. كما ستشارك قوى سياسية أخرى، تعاونت مع النظام، منذ الوهلة الأولى للأزمة، وصنفت نفسها تحت تسمية المعارضة الوطنية، وتشمل الحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة قوى التغيير.
وهناك احتمال أخير، بألا ينعقد مؤتمر جنيف اثنين مطلقا، ويتواصل العمل المسلح، الذي تشير مؤشراته في الأيام الأخيرة إلى تفوق النظام عسكريا، من غير قدرته على الحسم الشامل.
السيناريو الأقرب إلى التطبيق هو السيناريو الأول، رغم حدة موقف الائتلاف الوطني والجيش الحر من مؤتمر جنيف. يدفعنا لهذا الاعتقاد مجموعة من الأسباب:
الأول هو أن الائتلاف نتاج توافق دولي على الإطاحة بالنظام السوري، وقيام نظام بديل عنه. لقد تخلخل هذا التوافق، وانسحب معظم الذين رعوا تأسيسه عن تأييده. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة لتلويح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن نية الإدارة الأميركية إيجاد بديل عنه، في حال تمسكه بالامتناع عن المشاركة في مؤتمر جنيف 2، كدليل على عمق معضلة الائتلاف.
هناك توافق أميركي روسي، وإلى حد ما إقليمي، على خيار الحل السلمي، وسوف يتسبب ذلك في تراجع منابع تمويل المعارضة، وقادة العمل المسلح بما يجبر الجيش الحر، على اتخاذ تقديم تنازلات تحفظ له دورا بالحل السياسي.
يتوقع أن يؤدي الضغط الدولي، إلى إغلاق منافذ عبور المسلحين، من تركيا والعراق والأردن ولبنان، تزامنا مع تجفيف التمويل. كما أن وجود العناصر المقاتلة، من جبهة النصرة وداعش، قد أدى إلى إضعاف قدرة الجيش الحر على المناورة والقتال، وأفقده مناطق كثيرة، لصالح تلك القوى، كانت حتى وقت قريب تحت سيطرته. ومما لا شك فيه أن وجود تنظيم القاعدة، قد أحرج أنصار الثورة السورية، أمام العالم. وبديهي ألا ينعقد مؤتمر جنيف2 من غير معارضة سورية، لأن معنى ذلك أن النظام سيحاور نفسه، وسيكون ذلك بمثابة اعتراف المجتمع الدولي، بعجزه عن إيجاد حلول سياسية ناجحة للأزمة.
لكل هذه الأسباب فإن الأكثر منطقية هو أن يتأجل انعقاد المؤتمر، ثلاثة أشهر أخرى، عن موعده المحدد، لحين قبول الائتلاف والجيش الحر، الالتحاق بمؤتمر جنيف2، والتحضير بشكل جيد للمؤتمر. وليس علينا سوى الانتظار.
التعليقات