سليمان تقي الدين

استقالت الحكومة اللبنانية في اللحظة الحرجة من التطورات الإقليمية المفتوحة على اندفاعة جديدة للعنف في سوريا . واستقالت الحكومة في اللحظة الحرجة من الصراع على كيفية إنتاج السلطة من خلال قانون انتخاب جديد .

لم تكن الحكومة قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية أو بناء حالة استقرار سياسي واجتماعي . لكنها كانت تؤشر إلى وجود شرعية لبنانية تحاول أن تدير الشؤون اليومية للمواطنين والسياسة الخارجية بأقل قدر من الخسائر .

فشلت الحكومة في التوصل إلى قانون انتخاب توافقي يعيد إنتاج السلطة مع اقتراب ساعة الصفر دستورياً . وفشلت في أن تحافظ على حد مقبول من الوحدة السياسية ومن وحدة الخطاب والتصرف تجاه الأزمة السورية . لم يقصد رئيس الحكومة إحداث صدمة إيجابية، بل هو قصد التخلّي عن المسؤولية السياسية في ظل احتمالات تصعيد الصراع بين الفريقين اللبنانيين . فعلاً يحتاج لبنان إلى تحديد التعاقد الوطني أو على الأقل إدارة عاقلة للأزمة . يبدو أن إدارة الأزمة كما مارستها الحكومة لم تعد كافية لمنع التوترات، صحيح أن الاستقالة حشرت القوى في خانة وجوب اتخاذ مبادرات لمنع وقوع فراغ في المؤسسات الدستورية وفي ضرورة التفاهم على حد أدنى من السياسات العامة . لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فالحكومة قبل الحوار والحوار قبل الحكومة موضوعان يؤديان إلى الانقسام مجدداً . ولا أحد يعرف كيف يمكن التفاهم على حكومة في ظل هذا الانقسام أو التحاور على قضايا مفصلية استراتيجية قبل اتضاح صورة الوضع الإقليمي . فمن المؤكد أن الفراغ سيكون سيد الموقف ولا احتمالات جدية لابتداع تسوية في وقت قريب، هذا إذا لم يحصل حدث أمني يعطل الحياة السياسية كلها وينقل البلاد إلى مرحلة من العمل على إطفاء الحرائق .

ليست الحرائق بالضرورة تلك التي تؤدي إلى حرب أهلية شاملة . لكن الحروب الصغيرة التي تلوح من خلال الخطف والخطف المضاد وبعض التوترات، كافية لشل البحث عن تسويات . استطاعت قوى 8 آذار أن تؤلف حكومة بشراكة مع بعض قوى 14 آذار . لكنها لا تستطيع إعادة إنتاج المعادلة نفسها أو على الأقل تحتاج إلى تقديم تنازلات إضافية للفئة التي تساعدها على تشكيل حكومة .

أصبح الأمر مكلفاً جداً من خلال مطالب هذه الفئة الأقلوية التي تزيد من شروطها كل يوم . أما فريق 14 آذار فهو لا يستطيع أن يؤلف حكومة قادرة على أن تمارس عملها في جو سياسي تتحكم فيه قوى 8 آذار . تكاد المعادلة تكون مستعصية على الحل . وحين تصل الأمور إلى هذا الحد فإن الصدمة ضرورية لتغيير التوازن القائم .

صحيح أن ليس في مصلحة القوى الرئيسة التورط في عمل أمني كبير، لكن الأمور ليست دائماً تحت السيطرة، خاصة إذا كان هناك طرف خارجي يريد تحريك مياه البركة الراكدة . وما أكثر ما في المحيط الإقليمي والدولي من قوى راغبة في استخدام الساحة اللبنانية لأسباب مختلفة .

من المفترض أن رئيس الجمهورية سيبادر إلى دعوة هيئة الحوار الوطني على بندين أساسيين هما تأليف الحكومة وقانون الانتخاب . لكن في المسألتين ليس هناك إمكان توافق، لأن الحكومة تعكس التوازن السياسي الحالي وقانون الانتخاب يفضي إلى إنتاج السلطة المقبلة . ومن المتوقع أن تكون الأزمة طويلة جداً هذا إذا حصل توافق على مسألة وحيدة هي التمديد للواقع الحالي وخاصة المجلس النيابي .

وطالما أن الأزمة مفتوحة فليس من الحكمة حصر الحوار في بندين أي الحكومة وقانون الانتخاب . وبالفعل من الأفضل لو أن جدول أعمال الحوار يذهب إلى القضايا الأساسية المتعلقة بالنظام السياسي الذي صار إقرار من الجميع أنه لم يعد يعمل وفشل في احتواء النزاعات اللبنانية . وعلى هذا المستوى لماذا يكون الحوار في لغة غامضة ولا يكون في جوهر الموضوع وهو أي نظام يريد اللبنانيون؟