مفتاح شعيب

بدد وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، الآمال المنعقدة على احتمال عقد قمة مغاربية قريباً، وأكد أن شروط هذه القمة، التي يدفع البعض باتجاهها لتسجيل نقاط سياسية آنية، لم تتوافر، وربما لن تتوافر في المستقبل القريب بسبب التناقضات العاصفة بين عواصم المنطقة، فضلاً عن الوضع الأمني المرتبك والإرهاب الذي تقوى شوكته في وجه الجميع .

لا شك أن الأوضاع الداخلية لكل بلد مغاربي لا تشجعه على البحث عن شركاء في جواره، فكل له أزمته وتحدياته ورهاناته . وكل يحاول أن يكون هو صاحب الموقف الحكيم والسياسة المتبصرة . ومن شأن هذه المواقف المتصلبة أن تؤجل سنوات أخرى أي فرضية لانعقاد قمة على أرضية التوافق والمصالح المشتركة . ولا يبدو أن هذا التباين سينجلي فجأة لأن ما يحصل على الأرض وما ينشر من تصريحات يؤكد أن المنطقة المغاربية في ldquo;حالة حرب باردةrdquo; ليس بين المغرب والجزائر فحسب، إنما بين العواصم المغاربية جميعها .

في العقدين الماضيين، ظل الخلاف المغربي - الجزائري حول الصحراء هو العقبة الوحيدة أمام انعقاد القمة المغاربية . أما اليوم، وبسبب التحولات السياسية والاجتماعية التي حصلت في تونس وليبيا خصوصاً، فقد أصبحت العقبة عقبات، وبات التنافر سيد السياسة الإقليمية، حين تراجعت العلاقات البينية إلى مستوى غير مسبوق، وانفتحت حدود المنطقة أمام الخروقات الخارجية، وأصبحت كل العواصم، تقريباً، تبحث عن حلفاء ldquo;موثوقينrdquo; في مناطق بعيدة عن المجال الجغرافي المغاربي من أجل تحقيق توازن لن يخدم التقارب بين بلدان المنطقة .

عندما أطاحت الانتفاضة الشعبية الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، طُرح سؤال على النخب الصاعدة ldquo;مؤقتاًrdquo; عن مصير المغرب العربي، فكانت إجاباتهم تجمع على أن المغرب العربي بات أقرب إلى الوحدة من أي وقت مضى . وعندما أطيح نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي أصبح التبشير بأن شعلة الثورة الملتهبة ستعبر الحدود إلى الجزائر وموريتانيا في صور خيالية تذكّر بزمن الفتوحات الأولى . وها هو العام ينطوي على العام ولم تتحقق الثورات المزعومة، بينما أنتج الحال في تونس وليبيا وضعاً مفارقاً لما ارتسم من خيالات ومن أحلام انتهى بعضها إلى كوابيس وخيبات .

لقد أسهم الفلتان السياسي والأمني في تونس وليبيا إلى أخذ الأقطار المغاربية الأخرى مسافات أمان، فسعت إلى تحصين نفسها بتسريع خطوات الإصلاح مثلما حدث بوضوح في المغرب بإقرار دستور جديد، وبدرجة أقل في الجزائر بعد تعديلات دستورية وتجربتين انتخابيتين تشريعية وبلدية العام الماضي، والمحاولة ذاتها تسعى موريتانيا إلى تحقيقها من دون أن تهتز أركان الدولة فيها وتسقط في المجهول .

وما يلاحظ أن هذا الواقع أفرز خريطة غير منسجمة زادت من عوامل الفرقة والتشتت . وبينما هناك تلاسن متبادل بين المغرب والجزائر وثقة منعدمة على المستوى السياسي، بدأت تظهر الأعراض نفسها بين بقية العواصم . وبالمحصلة ليست هناك حالياً أي عاصمتين مغاربيتين على توافق أو تسيران في التوجه نفسه وبالمنطلقات ذاتها . وإذا كان هذا هو الحال فلم يكن وزير الخارجية الجزائري على خطأ لأن القمة المغاربية لا تتوافر لها حتى الأرضية السياسية المشتركة، أما الأرضية الأمنية والاجتماعية فهي متدهورة، والحريات الخمس التي روّج لها الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي العام الماضي، ستبقى أضغاث أحلام ووهماً ليس له ما يسنده في الوقت الحالي على الأقل .