محمد السعيد ادريس

الرسالة التي وجهها أيمن الظواهري زعيم تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; لمناسبة اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تضمنت أفكاراً شديدة الأهمية بالنسبة لمستقبل الأوضاع في مصر، والسيناريوهات الإخوانية المحتملة لإسقاط ما يعتبرونه ldquo;انقلاباً عسكرياًrdquo; ضد الشرعية المتمثلة في حكم الرئيس محمد مرسي الذي اسقطته ثورة الثلاثين من يونيو 2013 . فخطاب الظواهري تضمن تهديدات مباشرة للولايات المتحدة ووعد بهزيمتها في ميدان المواجهة مع ما اسماه ب ldquo;الأمة المسلمةrdquo;، لكنه تضمن أيضاً انتقادات صريحة لجماعة الإخوان في مصر وتونس واتهمهم ldquo;بالتخلي عن الشريعة وحكم الشريعة والقبول ببرلمانات وانتخابات داستها جنازير الدبابات، وازهقت أرواح الآلاف من انصارهم وقتلت مئات في الشوارعrdquo; . وامتداداً لهذا الانتقاد كرر الظواهري ما سبق أن جاء على لسان شقيقه محمد، الذي ألقي القبض عليه مؤخراً وتم ايداعه أحد السجون رهن التحقيق والمحاكمة، بأن حكم الرئيس المصري المعزول ldquo;غير شرعي لأن الشرعية هي حكم الشريعة، وليس حكم صناديق الاقتراعrdquo; .

خطاب الظواهري المفعم بالتكفير الديني، أي تكفير المسلمين وتكفير مجتمعاتهم لأنها مجتمعات خارج حكم الشريعة جاء أيضاً تكفيرياً من منظور الوطنية المصرية، فالوطن عنده ليست له قيمة معنوية، وأنه مجرد وجود مادي، والولاء للوطن ورموزه لا يخرج أيضاً عن دائرة الكفر، لذلك تعمد النيل من كل انتصار وطني واعتبره هزائم، وتعامل مع كل التاريخ الوطني باعتباره ldquo;تاريخ من الهزائمrdquo; تحت حكم ما أسماه بrdquo;العسكرrdquo;، فحرب عام 1956 التي اعقبت تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس من أجل بناء السد العالي بكل ما يعنيه بناء السد كانت من وجهة نظره هزيمة، امتدت إلى هزيمة 1967 من دون أي اعتبار أو تقدير لانتصار اكتوبر/تشرين الأول ،1973 فالدولة المدنية أو العسكرية لم تحقق غير الهزائم ولذلك وجب إسقاطها لأنها ldquo;دولة كافرةrdquo; .

هذا المنظور التكفيري كان شديد الوضوح في البيان الصادر عما يسمى ldquo;جماعة أنصار بيت المقدسrdquo; بخصوص محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية المصري محمد إبراهيم، فالبيان تحدث عن الجماعة باعتبارها ldquo;جزء من الأمة المسلمة في مصرrdquo; ما يؤكد أن هذا التنظيم لم يعد يحصر نشاطه داخل شبه جزيرة سيناء وخاصة في محافظة شمال سيناء، لكنه امتد بنشاطه إلى العمق المصري كله وعلى الأخص في القاهرة، لكن الأهم أنه عرض نفسه باعتباره أحد أذرع جماعة الإخوان، وأنه استهدف بمحاولة اغتيال وزير الداخلية القصاص لشهداء رابعة العدوية وميدان نهضة مصر، وما اسماه ب ldquo;الاعتداء على النساء والأطفال واقتياد حرائر نساء أرض الكنانة إلى السجونrdquo; .

مفردات بيان تنظيم ldquo;أنصار بيت المقدسrdquo; تكشف أنه ldquo;لم يعد تنظيماً فلسطينياً أو حماسياً فقط ولكنه أضحى تنظيماً إخوانياً مصرياً، وأنه يسير على طريق تنظيم القاعدة ويستقي من النبع ذاته الذي أسسه الزعيم الإخواني السيد قطب الذي أرسى قواعد ldquo;شرعية الاغتيال السياسيrdquo; في كتابه ldquo;معالم في الطريقrdquo; حيث نص على أنه ldquo;يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة معوقات التحرير العام، والازالة هنا تكون بإزالة رموز الأنظمةrdquo; . هذه الاغتيالات هي وفق مفاهيم السيد قطب ldquo;اغتيالات شرعيةrdquo; .

هذا المفهوم هو جرهر عقيدة تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; وتفريعاته من أنواع تنظيم ldquo;أنصار بين المقدسrdquo; وجماعة ldquo;التوحيد والجهادrdquo; التي تعد من أشهر وأخطر التنظيمات التكفيرية في سيناء والتي انحرفت بالرسالة الجهادية نحو العدو الصهيوني إلى الجهاد ضد نظم الحكم العربية من منطلق تكفير هذه الأنظمة، لذلك لم يكن غريباً أن يسمي تنظيم ldquo;أنصار بيت المقدسrdquo; محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية المصري ب ldquo;غزوة الثأر لمسلمي مصرrdquo;، ولم يكن غريباً أن يتبع هذه المحاولة باعتداء على مقر المخابرات الحربية المصري في رفح وهو الحادث الذي راح ضحيته 11 شخصاً من عسكريين ومدنيين، وأسفر عن إصابة 17 آخرين . هذه التنظيمات التي انحرفت بالجهاد إلى التكفير باتت تنظر إلى القوات المسلحة المصرية باعتبارها ldquo;جيش طواغيتrdquo; لحماية العدو الصهيوني، على نحو ما جاء في البيان الخاص بعملية مقر المخابرات الحربية المصرية في رفح .

وهكذا تتوحد المفاهيم والآليات بين تنظيم القاعدة، والتنظيمات التكفيرية داخل مصر وعلى الأخص في سيناء أو ldquo;جماعة الإخوانrdquo; . الكل ينطلق الآن من منطلق تكفيري أرساه السيد قطب في مؤلفه ldquo;معالم في الطريقrdquo; واتخذه الإخوان منهجاً فكرياً وحركياً، وكلهم الآن موحدون حول هدف اسقاط الدولة من قاعدة استهداف الجيش والشرطة .

اعتراف واضح بالإرهاب والقتل والتهديد، والمتهم بذلك ليس فقط تنظيم ldquo;أنصار بيت المقدسrdquo; ولكن جماعة الإخوان فالعلاقة عضوية بين الطرفين حسب ما سبق أن اكده القيادي الإخواني محمد البلتاجي عندما ربط بين ldquo;عودة الشرعية وتحرير الرئيس محمد مرسيrdquo; وبين ldquo;وقف عمليات التفجير التي تحدث في سيناءrdquo;، كما اكده توقف تنظيم أنصار بيت المقدس عن تفجير خط أنابيب الغاز المصري داخل سيناء خلال حكم مرسي، والعودة إلى مسلسل هذا التفجير يوم 30 يونيو/حزيران يوم تفجر الموجة الثانية للثورة المصرية .

هذا يعني أن ما يحدث الآن ليس مجرد اختلاف في الرأي أو مجرد صراع سياسي سلمي ولكنه إرهاب وتكفير للدولة والمجتمع، وتهديد واصرار على اغتيال الرموز الوطنية وخوض حرب استنزاف ضد الجيش والشرطة من أجل إسقاط الدولة، تمهيداً لعودة الإخوان وأعوانهم إلى الحكم مجدداً، ولكنها عودة تحت رايات تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; والجماعات التكفيرية تفرض ما يسمونه ب ldquo;حكم الشريعةrdquo; كما يفهمونها هم وليس كما هي في الكتاب والسنة .