خالد الفاضلي

في اعتقادي أن الجامعات ومراكز البحوث لم يكن لها دور إيجابي في إعداد بحوث ودراسات متخصصة عن تحول المجتمع السعودي وتقدمه المتسارع، وكيفية المحافظة على بقائه متماسكاً مؤمناً بقيمه ومبادئه؛ لأن التحولات المجتمعية السريعة -عادة ما- تصنع آثاراً سلبية.

&

يقول أوغبرن ويليم إن تحول المجتمع أو تطوره يتم من خلال أربعة عوامل هي «الاختراعات، التراكمية، الانتشار، والتكيف أو الموائمة». هذه النظرية تختص بتحول المجتمع التي شرحها بيفز بأن الناس يخترعون أو يكتسبون أو يقلدون أو حتى يستوردون ثم تتراكم هذه الأشياء لتسهم في احتمالية ظهور مخترعات أخرى، تؤدي إلى تفاعل أطراف أخرى، ونتيجة لذلك فإن المجتمع يحاول تأسيس توازن مع هذه المستجدات من خلال التكيف والتلاؤم معها، وهكذا يتحول المجتمع تدريجياً.

&

هذه نظرية متشبعة بالمنطق، وأعتقد بأن كل المجتمعات تعايشت معها وفق تدرج زمني مديد، ولكننا في السعودية تواجهنا مع عامل التسارع، قفزنا مراحل نمو متعددة من دون أن نمنح أنفسنا زمن تحول كافياً، فالفرد الموجود في منطقة الخليج بات يمتلك وسائل التقنية المتاحة ذاتها في بلدان تصنعها، لأن كثيراً منا اعتنق مبدأ التغيير من أجل التطوير.

&

مر مجتمعنا في المملكة بتطور كبير في فترة تعتبر قصيرة في تاريخ الشعوب؛ فبعد أن كان تعليم المرأة محارباً، أصبحت الأسر تسعى لتعليم بناتها مثل أبنائها، أصبح التسابق على برامج الابتعاث الخارجي كبيراً، تحول المرفوض إلى مرغوب. لا تزال التركيبة السكانية في السعودية تتعرض منذ عقود عدة لدوامات صراع قبول أو رفض «مُتغير جديد»، لا تزال حرب «تأسيس قناعات» جديدة.

&

كانت قفزات متسارعة أدت إلى انتشال مجتمع «البداوة» إلى التجمعات السكنية، ومن الاعتماد الاقتصادي على «الرعي والزراعة» إلى «ثقافة الوظيفة»، ومن «مدرسة الأب و القبيلة» إلى «أستاذ.. أستاذ.. أستاذ»، ثم تعليم أكاديمي محلي وخارجي. كل ذلك تمت زراعته في أقل من نصف قرن، ومن ثم فإن الرهان على امتصاص المجتمع لكل هذه المتغيرات والتحديثات بدرجة واحدة غير قابل للتحقيق الآن. أعتقد بأن المحارب «المجتمع و الدولة» في حاجة ماسة إلى استراحة؛ لإعادة قراءة الصورة الجديدة، ومعرفة كيف تم تحويلها من «أبيض وأسود» إلى صورة ملونة «ثلاثية الأبعاد»، قبل أن نكتشف أننا أصبحنا في مرحلة الصورة «سداسية الأبعاد»، فللتو اكتشف العالم تقنيات «النانو» وللتو بات جزءاً من تخصصات أكاديمية وصناعة متقدمة في السعودية.

&

إذا اعتبرنا أن المجتمع جسد فإن التحضر السريع يكاد يكون علاجاً، له أعراض سلبية، اكتشاف الأضرار الجانبية للدواء يتم بعد إصابة الجسد باعتلال. الاعتلال الثقافي قد يؤدي -في حالات- إلى أمراض يصعب التخلص منها. حدث ذلك في أوروبا، تايلند، وبعض الدول المولودة من تفكك الاتحاد السوفياتي القديم.

&

الإعلام أحد الصامتين الكبار عن تقديم تفسيرات، مناقشات، ونظريات قادرة على إعادة توجيه الأشرعة، ودفة السفينة إلى الميناء. ولو استمر تسارعنا الحضاري بهذه الوتيرة من دون ملاحظته أو تقنينه فإننا بعد سنوات ليس كثيرة سنكون «أوربيين» يعيشون في بلاد العرب.

&


&