خليل حسين
&
ثمة تحليلات ونظريات كثيرة روج لها مفكرون وأصحاب قرار،، مفادها أن مشروع الولايات المتحدة وطبعاً "إسرائيل" من خلفها، حول الشرق الأوسط الجديد أو الكبير قد سقط، بعد سلسلة مواجهات جرت في غير منطقة بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق وليس انتهاءً بغزة ولبنان . وبالعودة إلى الوراء قليلاً من السهل قراءة ذلك المشروع ومقارنته وحتى مقاربته بما يحصل حالياً، لنجد أن ثمة تطابقاً بين هذا المشروع وما وصلنا إليه حالياً .&
&
ولنضع جانباً القسم المتعلق بنشر الديمقراطية وهو العنوان والشعار الذي أعمى بصر الكثيرين وبصيرتهم، ولندقق بخرائط المشروع وغاياته . في مشروع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق شمعون بيريز، الذي هدف إلى إدخال "إسرائيل" في منظومة النظام الإقليمي العربي، الحصيلة الحالية انهيار النظام وتشتت العرب وبقاء "إسرائيل" دولة إقليمية فاعلة تحدد مصير ومسارات الكثير من المسائل الشرق أوسطية وبالتحديد العربية وغير العربية، كنموذج الملف الكيميائي السوري الذي انتهى عملياً، والملف النووي الإيراني والذي مازالت "إسرائيل" حتى الآن تتحكم بالكثير من آلياته التفاوضية ولو عن بعد، لكن بقدرة وفعالية واضحتين .
&
في الشق الآخر من المشروع الأميركي الشرق أوسطي الكبير، فقد نشر حوله الكثير الكثير من الآراء والتحليلات وصلت إلى حد الأساطير، وبصرف النظر عن صحتها ودقتها لجهة تقسيم الدول وإعادة هيكلة الجغرافيا السياسية لدول الشرق الأوسط وفقاً لمعايير مذهبية وإثنية وعرقية، عبر نظريات الفوضى الخلاقة وصراع الحضارات وغيرها، فإن ما جرى حتى الآن متطابق للكثير من الوقائع التي كرست حتى الآن . فكيف بالإمكان القول إن المشروع الأميركي قد هزم!
&
الفوضى العارمة تسود وطننا العربي، أنظمتنا ودولنا انهارت، مجتمعاتنا تمزقت . السودان قسم قانونياً بين شمال وجنوب، والعراق قسم واقعياً وإقليم كردستان يستعد للاستفتاء والانفصال، ناهيك عن الحوثيين في اليمن غير السعيد وصولاً إلى المغرب العربي والأمازيغ والطوارق، باختصار التقسيم يلف العرب شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً . ولم يكفنا هذا التشتت والتمزق، حتى ظهرت لنا خلافة "داعشية" لتجزئ المجزأ وتفتت المفتت، وتمزق دولتين عربيتين مركزيتين زعمتا يوماً قيادة أمة واحدة لرسالة خالدة .&
&
أين هزمت الولايات المتحدة؟ وأين انتصرنا نحن العرب؟ أقله منذ العام 1948 والنكبات والنكسات تنهش فكرنا وعقلنا وأوطاننا، كنا نرفع شعارات أكبر منا وندعي النضال لإسقاط خرائط (سايكس بيكو) واليوم نترحم عليها ونناضل لبقائها! أحزابنا التي حكمت تغنت بالديمقراطية وحكمت شعوبها قهراً وقسراً بحجة الأولويات ! واليوم نترحم على ما سبق من حكام أحياء وأموات بعدما فقدت الحياة معناها في مجتمعات يُجزّر فيها الكبير والصغير! أين انتصرنا؟
أين انتصرنا بفكرنا النيّر وإيديولوجياتنا المبتكرة بين القومية والاشتراكية، أم بالإسلام السياسي وبعض حركاته وتنظيماته التي جزّرت ومارست أبشع أنواع الحكم والقهر! ماذا فعلنا لنقاوم مشاريع الغير فينا؟ باختصار لا شيء، إنها سمة العرب في مواجهة الغير!
&
لنعترف أننا أمة هزمت نفسها بنفسها، ولم تعد حتى الآن قادرة على استنساخ أمجاد غابرة مازالت تتغنى وتتباهى بها، في وقت لم يعد يقرؤنا العالم بلغة شبه مفهومة!&
&
إنه الفراغ القاتل الذي يلف مجتمعاتنا وأنظمتنا، وحتى الآن لم نعترف بأن من طبيعة السياسة والحكم كره الفراغ، فلماذا نلوم غيرنا ونمجد أنفسنا؟ إنها فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية لتعبئ الفراغ الذي أوجدته بعض أنظمتنا، فأين انتصرنا؟&
&
ربما المطلوب اليوم إعادة قراءة واعية لواقعنا وما يتطلبه من توصيف دقيق لما نحن فيه، ينبغي الاعتراف بأننا هزمنا بفكرنا وعقلنا قبل أي أمر آخر، ولم نكن يوماً قادرين على الانتصار في ظل وسائل وأدوات باتت ممجوجة، ولنخرج من الصور النمطية للانتصار المزعوم على المشاريع الأميركية، علّنا نعيد يوماً صياغة انتصار حقيقي يعيد أمجاد العرب والمسلمين إلى ما كانوا عليه قبل قرون.