سؤال لا تجيب عنه مزاعم «المتشدّقين» !

& روبرت كاجان

زميل رفيع لدى معهد «بروكيجنز»

هل كانت حرب العراق أكبر خطأ استراتيجي خلال العقود الأخيرة مثلما يزعم بعض المتشدقين؟.. إن الإجابة الشافية على ذلك هي: لا. ولكن الخطأ الاستراتيجي كان الفشل في التحرك ضد تنظيم «القاعدة» وبن لادن قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي قتلت ما يربو على ثلاثة آلاف أميركي على أرض الولايات المتحدة، والإخفاق في منع هتلر، وتفادي الحرب مع اليابان، والإخفاقات التي حالت دون تقليص التبعات المأساوية لحربي العراق وفيتنام وتكلفتهما من الأرواح والأموال.

&



&

&



وهنا يكمن اللغز. فيمكن أن ينجم خطأ ما عن فعل أكثر مما ينبغي والتسرع في استخدام القوة بصورة مبالغ فيها أو بشكل غير ملائم كما هي الحال عادة. ويمكن أيضاً أن يحدث خطأ آخر نتيجة عدم فعل ما يلزم والإحجام عن استخدام القوة الكافية بالسرعة المطلوبة للتخلص من تهديد أو ردع عدو قبل هجومه أو أملاً في وجود بديل للقوة إلى أن يفوت أوان التحرك على نحو مؤثر وفعّال. وليس من المفاجئ أن النوع الأول من الأخطاء يفضي إلى النوع الثاني. وقد كان الدرس الأول المستفاد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة لكثير ممن عاشوها هو أن السلبية في مواجهة التهديدات كانت خطيرة. وبالتأكيد، اتخذت إدارة بوش قرار تحركها في العراق بناء على هذا التفكير، وكذلك غالبية «الديمقراطيين»، عندما أجازوا استخدام القوة في أكتوبر عام 2002. وحينها أعرب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي، جوزيف بايدن، عن الرؤية المشتركة في ذلك الوقت، وهي أن صدام حسين، لو تُرك «حرّاً» فلاشك أنه «يمثل تهديداً حتمياً». وكان السؤال الوحيد يدور حول ضرورة «فعل ذلك الآن أم الانتظار عام أو عامين». وبالمثل أفضت الدروس المستفادة من السلبية العالمية الأميركية في ثلاثينيات القرن الماضي إلى عواقب سلبية للغاية.

ومن الممكن أن أزعم، مثلما فعل المؤرخون والمحللون، أنه في كلتا الحالتين كانت عقارب الساعة تتحرك بسرعة مفرطة، وقد أفضى ذلك الرضا المبالغ فيه عن الذات إلى جنون عظمة ونشاط زائد. ولعل هذه الأمور من بين الانتقادات الأساسية التي كالها «جورج كينان» وآخرون للولايات المتحدة على مدار سنوات، في ميل للترنح بتهور من اتجاه إلى آخر.

ويكمن السؤال الآن فيما إذا كانت عقارب الساعة تحركت بشكل كبير في الاتجاه المعاكس، وما إذا كان الرد على ما يعتبره كثيرون الإسراف في استخدام القوة هو أن نتعهد جميعاً بالتخلي عن استخدام القوة. وقد يزعم البعض أن على الولايات المتحدة العودة إلى سيرتها الأولى والتخلي عن استخدام القوة، وربما يعللون ذلك بأن العقد الماضي كان استثنائياً، ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة استخدمت القوة على مدار أكثر من قرن كأداة للسياسة الخارجية بصورة متكررة. وقد باشرت الولايات المتحدة نحو 26 تدخلاً مسلحاً منذ عام 1898 في نصف الكرة الغربي بما في ذلك آسيا وأوروبا والشرق الأوسط: من كوبا والفلبين في نهاية القرن التاسع عشر إلى الخليج وهاييتي والبلقان بعد قرن من الزمن وصولاً إلى العراق وأفغانستان في بداية القرن الحالي. وإذا احتسبنا البعثات المكونة من أعداد ضئيلة، إضافة إلى العمليات البحرية والجوية مثل قصف ليبيا تحت حكم القذافي في عهد ريجان، والحملة الجوية التي أمر بها بيل كلينتون على مدار أربعة أيام ضد العراق عام 1988 أو تحرك أوباما في ليبيا، فإن عدد التدخلات الأميركية يصل إلى ستة أضعاف على الأقل. ولا يتضمن ذلك تلك طبعاً العمليات السرية من النوع الذي أمر به «دوايت أيزنهاور» ضد «جاكوب أربينز» في جواتيمالا و«محمد مصدق» في إيران، أو التهديد بهجوم نووي ضد الدول المارقة، وهو أداة أخرى مفضلة لأيزنهاور.

وأما عدد التدخلات الكبرى التي تضمنت وجود «قوات على الأرض»، فقد كان هناك تدخل في المتوسط كل أربعة أعوام ونصف العام منذ 1898. وبشكل عام، فقد انخرطت الولايات المتحدة في معارك في أماكن متفرقة من العالم على مدار 52 عاماً من الأعوام الـ 116 الماضية، أو نحو 45 في المئة منذ ذلك الوقت. ومنذ انتهاء الحرب الباردة، ارتفع معدل التدخلات الأميركية، ليصل إلى حالة تدخل في كل ثلاثة أعوام تقريباً، وخاضت القوات الأميركية أعمالاً قتالية وغزوات لمدة 19 عاماً من الأعوام الـ25 منذ سقوط سور برلين. وفي غضون ذلك، لا يهم ما إذا كانت الإدارات «جمهورية» أو «ديمقراطية، » وما إذا كان الرؤساء ممن يُقال عنهم إنهم «ليبراليون عالميون» مثل كلينتون أو ممن زُعم أنهم «واقعيون» مثل بوش، الذي أمر بثلاثة تدخلات عسكرية في غضون أربعة أعوام من تواجده في السلطة. والسؤال مرة أخرى: هل ينبغي أن تعود الولايات المتحدة إلى مبدأ التدخل العسكري أو التخلي عنه؟ يمكن للمرء أن يشير بسهولة إلى حالات فشل القوة العسكرية في تحقيق أهدافها، وحيثما كان من الأفضل عدم استخدامها. ولكن في حالات أخرى، كان استخدام القوة أيضاً فعالاً، وفي بعض الأحيان أكثر مما بدا في حينه. فعندما وضعت الحرب الكورية أوزارها، لم يكن سوى قليل من الأميركيين يعتبرونها ناجحة. ولكن الحيوية السياسية والاقتصادية الرائعة في كوريا الجنوية اليوم ودورها كحليف رئيس للولايات المتحدة نابعة من تلك «الحرب المنسية».

ومن وجهة نظري أن رغبة الولايات المتحدة في استخدام القوة والتهديد باستخدامها للدفاع عن مصالحها وعن النظام العالمي الليبرالي كانت جزءاً أساسياً ولا يمكن تفاديه من الدبلوماسية الفعالة. ومثلما أشار جورج شولتز أثناء عمله كوزير للخارجية فإن «القوة والدبلوماسية تمضيان معاً دائماً.. والواقع الصعب أن الدبلوماسية غير المدعومة بالقوة تكون غير فعالة». والقضية الآن هي إيجاد التوازن الملائم بين توقيت استخدام القوة وتوقيت الإحجام عن ذلك.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
&