خيرالله خير الله
&
من الواضح، استنادا إلى سير الأحداث وتطورّها، أنّ الولايات المتّحدة ترفض أن تتعلّم شيئا من التجارب التي مرّت بها في العراق. على العكس من ذلك، هناك اصرار أميركي على تكرار أخطاء الماضي، بما في ذلك تأكيد أن العراق، أقلّه جزء منه، لا يمكن إلّا أن يكون مستعمرة ايرانية.
&
ليس هناك، كما لا يمكن أن يكون هناك، أيّ اعتراض على مشاركة القوات الأميركية في دعم الجيش العراقي والبشمركة في المواجهة مع تنظيم ارهابي مثل «داعش». هذا الدعم الضروري شيء والقتال إلى جانب ميليشيات مذهبية تابعة لبعض الأحزاب العراقية احتفلت بتحرير بلدات من «داعش»، بفضل الدعم الجوّي الأميركي، شيء آخر.
&
كانت زيارة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لبلدة آمرلي، بعد نجاح القوات العراقية والكردية والميليشيات المذهبية في فكّ الحصار الطويل الذي فرضته «داعش» عليها، بمثابة دليل على أنّ المالكي يحاول وضع نفسه في الواجهة. إنّه نوري المالكي، بكلّ ما يرمز اليه، الذي جاء إلى البلدة للقول انّه لم يتغيّر شيء في العراق وأنّ حلول حيدر العبادي مكانه في موقع رئيس الوزراء لا يعني شيئا على أرض الواقع.
&
كانت رسالة المالكي من خلال الزيارة واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أنّ العراق لا يمكن إلّا أن يكون تحت سلطة الأحزاب المذهبية المدعومة من ايران وأنّ كلّ كلام عن تغيير في العمق لا اساس له. أكثر من ذلك، أراد المالكي الذي اصطحب معه إلى آمرلي قادة ميليشيات مذهبية القول ان الولايات المتحدة وضعت نفسها، ولا تزال تضع نفسها، في خدمة مشروع مذهبي معيّن في العراق لا تستفيد منه غير ايران.
&
قبل كلّ شيء، لم يكن ممكنا فكّ الحصار «الداعشي» لآمرلي، وهي بلدة يقيم فيها تركمان من الشيعة لولا الدعم الجوّي الأميركي. إذا، الانتصار الصغير الذي تحقّق كان انتصارا أميركيا في جانب كبير منه. لكنّ الأحزاب المذهبية، على رأسها «حزب الدعوة» الذي يتزعمّه المالكي والذي ينتمي اليه العبادي، أبت إلّا الاحتفال بالمناسبة وذلك من أجل تأكيد أنّ الولايات المتحدة قابلة بالواقع العراقي الذي أدّى إلى وصول المالكي إلى موقع رئيس الوزراء في مرحلة معيّنة.
&
ما كان سرّا في الماضي، صار علنيا الآن. للمرّة الأولى هناك عمليات عسكرية مشتركة تتمّ بشكل علني وليس في الخفاء بين الميليشيات المذهبية العراقية والقوات الأميركية. تقدّمت هذه الميليشيات، من بينها «قوات بدر» و«عصائب الحق» في اتجاه آمرلي بغطاء من سلاح الجوّ الأميركي الذي دكّ مواقع «داعش». شارك الأكراد في المعارك التي أدّت إلى فك الحصار عن البلدة. الفارق بين الأكراد والميليشيات المذهبية في غاية البساطة. لم يدّع الأكراد يوما أنّهم يريدون تحرير العراق من الأميركيين. لدى زعماء الأكراد ما يكفي من الصدق مع النفس والاحترام للذات أوّلا، ما يجعلهم يعترفون بأنّ النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين ما كان ليسقط لولا الولايات المتحدة. إنّهم يعرفون أنّه لم يكن في استطاعة المالكي وغير المالكي العودة إلى العراق من دون الدبّابة الأميركية.
&
الفارق بين الأكراد والأحزاب المذهبية التي تقف خلفها ايران، أن هؤلاء لم يديروا ظهرهم للولايات المتحدة. تابعوا تعاونهم معها، معترفين بالجميل، بغض النظر عمّا إذا كانت المساعدات التي توافرت للبشمركة كافية أم لا. بقيت هذه المساعدات في حدود معيّنة كي لا يغضب جيران الأكراد، بمن في ذلك الحكومة المركزية في بغداد.
&
في المقابل، شاركت ايران في الحرب الأميركية على العراق بشكل مباشر. قدّمت كل التسهيلات التي طلبها الأميركيون. وفي اللحظة التي سقط فيها تمثال صدّام حسين في بغداد، بدأ الكلام عن «الاحتلال الأميركي» وعن ضرورة مقاومته بكلّ الوسائل.
&
مرّة أخرى، ان التخلّص من «داعش» مطلوب. ولكن ليس من أجل حلول «دواعش» مكانه. ما الفارق بين من يسعى إلى ابادة الشيعة والإيزيديين ومن يطرد المسيحيين من أرضهم من جهة وبين من يمارس عمليات تطهير عرقي في حقّ أهل السنّة في العراق، خصوصا في بغداد والمحافظات التي لا تبعد كثيرا عنها مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار، على سبيل المثال وليس الحصر؟
&
من حسنات ما حصل في الأيّام القليلة الماضية في العراق انكشاف اللعبة الإيرانية القديمة ـ الجديدة. تقوم هذه اللعبة على استخدام القوات الأميركية خدمة للمصالح الإيرانية ثمّ الكلام عن احتلال أميركي و«مقاومة» للاحتلال. كان دعم الأجهزة الإيرانية والسورية لـ«داعش» واخواتها، جزءاً من هذه اللعبة التي ما لبثت أن انقلبت على الذين اخترعوها.
&
لم تتعلّم الإدارة الأميركية شيئا من كلّ ما حصل في العراق. اراد باراك أوباما اتباع سياسة مخالفة كلّيا لتلك التي اعتمدها جورج بوش الابن. إذا به ينتهي في خدمة ايران، تماما كما حصل مع سلفه. فالذي يريد بالفعل التخلّص من «داعش» يقف على مسافة واحدة من كلّ العراقيين ولا يقبل الانخراط في حروب تشارك فيها ميليشيات مذهبية، خصوصا أنّ هذه الميليشيات تلعب دورا مكملا لتنظيمات مثل «داعش».
&
ما لا يمكن تجاهله أنّه لم يكن ممكنا لـ«داعش» أن تتحرّك بهذه السهولة في الأراضي العراقية، وأن تدخل الموصل، لو توافرت حكومة شراكة وطنية منذ البداية بديلا من حكومة المالكي التي وضعت الانتماء المذهبي الضيّق فوق الانتماء الوطني وصولا إلى المشاركة المباشرة في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه لمجرّد أن ايران طلبت منها ذلك.
&
أبعد من المعارك التي تخوضها القوات الأميركية إلى جانب ميليشيات مذهبية عراقية، هناك سؤال يطرح نفسه. هل من مشروع أميركي في العراق...أم كل المطلوب خدمة المشروع الإيراني في العراق وغير العراق لا أكثر ولا أقلّ، من حيث يدري جورج بوش الابن وباراك أوباما أو لا يدريان؟
&
نعم، المطلوب التخلّص من «داعش» ولكن ليس مطلوبا عمل كلّ شيء من أجل خدمة «دواعش» أخرى، خصوصا أنّ لا فارق بين ارهاب وإرهاب...