&حسن عبدالله جوهر

&حالة الحزن والمأساة في فرنسا رغم عمقها المبرر نتمنى ألا تحجب الحقيقة عن شعبها الحضاري والمثقف، وفي الوقت الذي نشاطر الفرنسيين أحزانهم وقلقهم، ونتمنى لهم الأمن والاستقرار، فإننا لا نقبل أن يتحول هذه الشعب المجروح إلى أداة يستغلها بعض الساسة لسكب الزيت على نار العداء مع العرب والمسلمين.

عندما ضرب الإرهاب العمق الفرنسي تعاطف العالم مع هذا الشعب الصديق وأدان العمل الإجرامي، في التفاتة عفوية وتلقائية تقاسمتها الشعوب في كل مكان كتعبير عن ذاتها، وقد يساعد على هذا التعاطف أن الفرنسيين يمثلون رمز الأناقة والهدوء والرومانسية، وبلدهم مهد للحرية والثقافة، ولكن بات الناس في كل مكان يدركون أنهم ضحايا العنف والإرهاب دون فرق بين جنسية وهوية وموقع جغرافي.
لهذا فإن إدانة العرب والمسلمين لجريمة باريس الأخيرة لا تأتي من باب إبراء الذمة أو الخوف أو التزلف للغرب، بقدر ما تحمل من رسالة تعزية ومواساة بأنهم أصبحوا في البلاء سواء، وكما أن الفرنسيين أصبحوا آخر قرابين التكفيريين العرب فإن الشعوب العربية والمسلمة قد جرعت هذا السمّ على مدى عقود من الزمن، وإذا كان ضحايا العملية الإرهابية في فرنسا لا يتجاوزون اثني عشر شخصاً، وهو حدث زلزل فرنسا والغرب برمته فإن أضعاف هذا العدد يقضون في بلادنا كل بضع دقائق دونما أن يحرك ذلك ساكناً في وجدان الشعوب الغربية بشكل عام!


قد يكون الإعلام الغربي السلبي وعدم وصول الإرهاب إلى العمق الأوروبي سببين في تجاهل الغرب شعبياً لهموم الشرقيين، بل قد تستغل بعض العمليات الإرهابية مثلما حدث في فرنسا كسبب في تعبئة الشعب الفرنسي ضد العرب وكفرصة لتسلق القوى السياسية اليمينية المتطرفة على عواطف الناخبين للوصول إلى السلطة، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً ويفجر مشاعر الحقد والكراهية بين الجانبين أكثر من ذي قبل.
الإعلام العربي والنخب المثقفة والسياسية على المحك ومطالبة ببذل الجهد المضاعف للوصول إلى قلب وعقل المواطن الأوروبي والأميركي والفرنسي تحديداً، وإقناعه بأن حكومات هذه الدول ومواقفها المشينة ومعاييرها المزدوجة من بين الأسباب الرئيسة لتمدد ظاهرة الإرهاب وصولاً إلى عقر دارها.
الحكومة الفرنسية على سبيل المثال، وعلى غير عادتها ودبلوماسيتها التاريخية، كانت سبباً مباشراً في نشر وتوغل إرهاب الجماعات الدينية في العالم العربي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فباريس هي من قادت جيوش الناتو لغزو ليبيا ونشر الثوار من مختلف التيارات المتطرفة فيها، وفرنسا هي من احتضنت وساعدت دخول عشرات الآلاف من المرتزقة العرب والأجانب إلى سورية ومنها إلى العراق؛ ليرتكبوا أبشع الجرائم في سجل البشرية، أليس الإرهابيون الذين نفذوا عملية صحيفة "شارلي إيبدو" الباريسية هم ممن قاتلوا في اليمن وسورية قبل أن ينتهي بهم المطاف في فرنسا؟!
إن حالة الحزن والمأساة في فرنسا رغم عمقها المبرر نتمنى ألا تحجب الحقيقة عن شعبها الحضاري والمثقف، وفي الوقت الذي نشاطر الفرنسيين أحزانهم وقلقهم، ونتمنى لهم الأمن والاستقرار، فإننا لا نقبل أن يتحول هذه الشعب المجروح إلى أداة يستغلها بعض الساسة لسكب الزيت على نار العداء مع العرب والمسلمين، ليس لأن الفرنسيين أكبر من ذلك إنما لأنهم كشعوب لا يختلفون عنا كونهم وقود الإرهاب تماماً كشعوبنا بسبب ألاعيب الأحزاب السياسية عندهم وتطرف التيارات الدينية عندنا!!
&