&أحمد الجميعـة

كل ما حاولنا أن نهمّش أو نقلّل أو حتى نتجاهل خطاب إيران الإعلامي؛ نجد أنفسنا أمام استفزاز بذيء ورخيص خارج عن دبلوماسية الحوار والجوار إلى دائرة ضيقة مأفونة بالحقد والكراهية، وتلوين الحقائق، وتصدير الأزمات، ونشر الفوضى والطائفية، ودعم الإرهاب والمليشيات والأحزاب الخارجة عن الشرعية، حيث لا تزال تعتقد أن أحلام أمبراطورية فارس لن يعيدها إلا مثل هكذا سلوك، ولن تتحقق إلاّ باستفزاز وتهديد الآخرين.. هكذا يحلمون!.

إيران الفارسية في حالة تخبط وانكسار وانهزام لحظة ما تصدت المملكة فعلاً وليس قولاً لمخططها، ونفوذها، وعرّتها أمام العالم بأنها الدولة التي لا تنشد سلماً ولا استقراراً في المنطقة، وتبحث في كل حدث أو مناسبة عن ما يثير الفتنة، وتحريض المأجورين للنيل من وحدة الشعوب، واستقلاليتهم، والتدخل في شؤونهم الداخلية، وهي سياسة لم تعد خافية، أو تحتاج إلى دليل، بل في كل مكان تتواجد فيه إيران لا يستقر، ولا ينمو، ولا حتى يعود كما كان.

المملكة تحلّت في مواقف كثيرة بالصبر والحكمة والعقل، ولم تحاول أن تعطي إيران ما تريد من جرّها إلى مهاترات سياسية معروف الغاية منها، وتحديداً إشغال المملكة عن دورها المحوري والتاريخي في المنطقة، حيث نجحت المملكة في تحويل حسن النوايا إلى سلوك يجبر إيران الفارسية على التعبير عن تلك النوايا بما يكشف المزيد من عورتها أمام العالم، وهو فعلاً ما ظهر في سورية، وقبلها العراق، وحالياً في اليمن، حيث أظهرت إيران سوء نواياها تجاه المنطقة، والمملكة خاصة، وهو ما عبّرت عنه قنوات مأجورة، وخطابات مسعورة للنيل من المملكة، ومكانتها، وإمكاناتها، بل لا تتواجد المملكة في محفل دولي سياسي أو ثقافي إلاّ وتجد إيران تستفزها، وتحاول أن تمرر بجهل وتجاهل ما تعتقد أنه يمنحها حقاً، أو يعيد لها مجداً، ويكفي أن يكون رأس نظام الملالي هو من يؤجج هذا الصراع، ويحاول في أكثر من خطبة وخطاب أن يسيئ إلى المملكة، ويتهمها ظلماً وكذباً بما وصلت إليه المنطقة من الفوضى، ويؤيده في هذا التوجه الرئيس الصوري المغلوب على أمره حسن روحاني، والحرس الجمهوري المنغمس في الطائفية، والمسؤولين المغيبين والمنفصلين عن الواقع.

آخر هؤلاء كان رئيس الوفد الإيراني الذي تحدّث في المؤتمر التاسع لوزراء الثقافة في الدول الإسلامية في مسقط بما لا يفقه عن حادثة تدافع الحجاج في منى، وتفوه بما يقوله مرشده الأعلى من اتهام المملكة بالتقصير، والمطالبة بالمشاركة في التحقيق، حيث لا يزال هؤلاء يكذبون، ويكذبون اعتقاداً أن استمراء الكذب وتكراره مدعاة لتصديقه، ولكن المفاجأة حين كان الرد حاضراً من وزير الثقافة والإعلام

د. عادل الطريفي، حيث لم يعد الموضوع استفزازاً نصمت عنه حكمة، ولكن المسؤول الإيراني يكذب على الملأ.

لقد كان الوزير الطريفي هادئاً عاقلاً حكيماً في رده، فلم ينزل إلى مستوى الضجيج، والمهاترات، ولكنه تحدّث بأدب الحوار ومن ينصت إليه وبقيم ومبادئ وطنه.. تحدّث عن الحقيقة التي لا يحب الإيرانيون سماعها، ولا حتى الالتفات إليها.. تحدّث بلغة مسؤول واعٍ ومدرك ورافض لتسييس حادثة منى، أو التقليل من الخدمات والإمكانات التي تقدمها المملكة للحجاج، أو حتى الخروج عن محاور الاجتماع وجرّه إلى حالة تلاسن مرفوض.

من استمع إلى د. عادل الطريفي يدرك فعلاً أنه ينتمي إلى مدرسة قيادته الحكيمة التي تعلّم منها الكثير، ولا يزال، ويدرك أيضاً أن هذه اللغة في الحوار هي فعلاً من تترك التأثير في نفوس الآخرين، حتى ولو كانوا مأجورين لنظام الملالي؛ لأن المشكلة ليست في أن الحقيقة مجهولة، وإنما الحقيقة موجودة ولكن هناك من يجهل الكثير عنها.