& سركيس نعوم

&المعلومات التي توافرت عند عدد من الدوائر الرسمية اللبنانية عن التدخُّل العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية أشارت إلى أن هدفه المبدئي هو تحصين المناطق التي لا تزال تحت سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد. ويعني ذلك استعمال موسكو طيرانها الحربي لضرب ليس "داعش" الإرهابي فقط بل أيضاً التنظيمات الأخرى الإسلامية، والإسلامية التي شكَّلت تهديداً لها، ولتغطية القوات العسكرية النظامية والميليشياوية من سورية وغير سورية في تحرُّكها لاستعادة مدن وبلدات عدة ولا سيما في الشمال المحاذي لتركيا. طبعاً يشمل التحرُّك الجوي الحربي الروسي أيضاً دمشق وضواحيها وذلك بغية منع سقوطها في أيدي المعادين للنظام المذكور. وذلك أمر ظنَّ هؤلاء أن تحقيقه صار في متناول اليد.


هل معلومات الدوائر الرسمية اللبنانية دقيقة ونهائية؟ أم توسِّع روسيا إطار تدخُّلها العسكري فيشمل إلى الشمال السوري الجنوب السوري المجاور جغرافياً لدولتين مهمتين هما إسرائيل والأردن؟
ما حصل في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي جعل مالكي المعلومات اللبنانيين يشكُّون في دقتها أو في نهائيتها. ففي ذلك اليوم استهدفت الطائرات الحربية الروسية وللمرة الأولى قوات المعارضة المتمركزة على بعد نحو 12 ميلاً من الحدود مع إسرائيل، كما استهدفت قوات أخرى في محافظة درعا. وما حصل أقلق في وقت واحد حكومة بنيامين نتنياهو والمملكة الأردنية الهاشمية. علماً أن الاثنتين كان يجب أن لا تشعرا بأي مفاجأة لأن تصريحات المسؤولين الروس ومناوراتهم الديبلوماسية فضلاً عن سير المعارك أوحت أن ميدان المعركة يمكن أن يتوسّع فيشمل إلى شمال سوريا جنوبها أيضاً.
لماذا يُقلق ذلك الدولتين "المتسالمتين" أو المتصالحتين المذكورتين وما هي تشعباته على كل منهما؟


هو مُقلق لإسرائيل لأن "حزب الله" وإيران قد يستفيدان من الضربات الجوية الروسية للاقتراب من حدودها ولاجتياز واحد من خطوطها الحمر. وهي لا تتساهل حيال أمرٍ كهذا. واثبتت ذلك في بدايات العام الجاري عندما ضربت قيادات من إيران و"الحزب" في مرتفعات الجولان. وقد أبلغ مسؤولوها ذلك إلى زملائهم الروس محذِّرينهم من أن تكرار اختراق الخطوط الحمر سيختبر جدّياً التعاون الروسي – الإسرائيلي، كما أنه سيختبر أيضاً العلاقات الروسية – الإيرانية. علماً أن موسكو لا تريد إغضاب إسرائيل بتسهيل استفزازات أعدائها. إلاّ أنها في الوقت نفسه تشعر بالحاجة إلى "عسكر" إيران على الأرض السورية المؤلف من مقاتلي "الحزب" وميليشيات أخرى من جنسيات عدة فضلاً عن خبراء عسكريين من عندها.


أما بالنسبة إلى الأردن فإن حملة عسكرية جوية على درعا لا بد أن تزيد عدد اللاجئين السوريين إلى أرضه، وقد حصل ذلك ولكن في اتجاه تركيا بعد بدء روسيا والأسد حملتهما قبل أسابيع في شمال سوريا. وذلك يقلقه لأنه بالكاد يستطيع تأمين حاجات اللاجئين الموجودين على أرضه بمئات الآلاف منذ بدء الحرب السورية. إلى ذلك يريد الأردن وإسرائيل إبقاء المتطرفين في جنوب سوريا في وضع الدفاع. إلا أن تورطاً روسياً أكبر قد يغيّر هذا الواقع. إذ قد يدفع مثلاً التنظيمات المعارضة والمتطرِّفة المتقاتلة وغيرها إلى التعاون بل الاتحاد لمواجهة الخطر الكبير.
ماذا يستطيع الأردن وإسرائيل أن يفعلا لمواجهة ذلك؟


تستطيع إسرائيل إبلاغ موسكو أنها ستضرب عناصر "حزب الله" وإيران إذا ما قرروا تنفيذ عمليات برية عليها، وقد تستعمل أسلحة متنوعة لذلك. علماً أن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل تضرب إسرائيل إذا كانت القوات الروسية أو الخبراء في المنطقة ضرَبَت أخيراً، أوَلاً تخشى تعقيدات إصابة بعضهم؟ وتستطيع مع الأردن التعبير عن قلقهما إلى حليفتهما أميركا القادرة على إيصال رسالتيهما إلى روسيا مع تبنّيهما. لكنهما لا تستطيعان اللجوء إلى العمل العسكري رغم أهميتهما العسكرية لأن لا مجال للمقارنة بين قوة كل منهما وقوة روسيا.
في اختصار ليس جنوب سوريا حتى الآن أولوية قصوى لروسيا الجوية ولحلفائها "البرّيين". فالمعركة حامية في الشمال، لكنه قد يصبح جزءاً من استراتيجيتها الواسعة وخصوصاً إذا توسّعت ضرباتها الجنوبية. والملجأ الوحيد للدولتين أميركا القادرة على إقناع روسيا بأخذ مصالحهما في الاعتبار. هل هي قادرة على ذلك؟

&