سمير عطا الله
يقر الإنسان، ويقرر، بلا تردد، حربًا عالمية أو إقليمية يسقط فيها عشرات الألوف. لكن هناك جرائم تحرّمها المواثيق والاتفاقات ولا يقدم عليها القتلة، كالمجازر وذبح الأطفال والنساء والعجزة. خطف الطائرات أو تفجيرها أحد المحرمات الإنسانية المتفق عليها بين الدول؛ السويد أو الكونغو. في مرحلة ما لجأ الفلسطينيون إلى عمليات خطف بلا ضحايا، ثم توقفوا عنها لأنها ألحقت بالقضية من الأذى أكثر من الشهرة. لكن «أبو نضال» لم يتردد في إسقاط طائرة خليجية رفضت دولتها دفع الخوّة، كما روى أحد كبار مساعديه لـ«العربية». معمر القذافي هو الحاكم الوحيد في التاريخ الذي أصدر أمرًا بإسقاط طائرتين مدنيتين؛ «الفرنسية» و«لوكيربي»، واكتفى منه «الضمير العالمي» بتسديد ثمن الجثث. قبل عام، أسقط صاروخ روسي فوق أوكرانيا طائرة ماليزية لا يعرف ركابها وطاقمها شيئًا عن صراع موسكو وكييف. ودفع الأميركيون غاليًا ثمن إسقاط طائرة إيرانية في الخليج.
القرار بإسقاط طائرة مدنية، والتآمر لذلك، عمل وحشي يشبه قتل الأطفال بالغاز، أو رمي هيروشيما بالذرة. ضرب برجي التجارة في نيويورك بطائرات مدنية كان ذروة الاختلال العقلي واللاإنساني. ومن المحزن والشائن أن تكون حصتنا من هذه الارتكابات هي الأكبر والأكثر همجية، في الجو كما على الأرض.
طائرة شرم الشيخ جريمة فاحشة في معاداة القول الكريم: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. سواء كان المقصود التدخل الروسي في سوريا، أو كان جزءًا من حرب سيناء على الدولة المصرية، التي تكافح بشتى السبل لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ سنوات. وفي تونس حيث أردى متطرف السياح في المسبح، جف الدخل السياحي تمامًا كما يشتهي المناضلون، وهو ما لا يشتهيه كثيرًا ألوف الناس الذين يعيشون من هذا الدخل.
عندما وقع حادث الطائرة الروسية لم يكن أول من فكرنا به روسيا، بل مصر. وفي هذا الشعور التلقائي قسوة عفوية طبعًا. غير أن السبب هو الخوف على مصر من مضاعفات العقل الدموي وفكر الطاعون. نحن أمّة تموت طوعًا من أجل رجل، وتهوى من يعذبها، ثم تغني أن «داعش» صناعة أميركية، وأن ضرب برج التجارة مؤامرة أميركية.
تشبه طائرة شرم الشيخ - إذا صحت التكهنات - طائرة لوكيربي تمامًا، في الأعداد، وفي التنفيذ، وفي صور الحطام المتناثر. وعلى «الضمير العالمي» أن يبدأ البحث، منذ الآن، عن عبد الباسط المقرحي الذي قام وحيدًا بكل العملية.
&
التعليقات