&أيمـن الـحـمـاد
لا يمكن النظر اليوم إلى البُعد الجغرافي كمسوغ لعدم الاكتراث بأهمية العلاقات العربية - اللاتينية، ففي عصر المعلوماتية بات من الضروري استغلال هذه الثورة الرقمية والتكنولوجية في دفع عجلة التعاون والتواصل بين الجانبين اللذين يجب أن يدفعا علاقاتهما بشكل يتعدى مساندة أحدهما للآخر لموقف سياسي هنا أو هناك.
إن من الضروري أن نسأل أنفسنا - نحن العرب - ماذا نريد من هذه القارة التي أسهم كل من الجانبين العربي واللاتيني في تكريس حالة الاغتراب واللامبالة، فغدا الحديث عنها ذكريات ومواقف تاريخية؟
لا شك أن الاقتصاد والثقافة ثنائية يجب العمل على تعزيزهما، فمن خلالهما أثّر العرب في دول أميركا الجنوبية، ونكفي أن نعلم بأن الأسماء التجارية الشهيرة اليوم في القارة اللاتينية تنتمي لجيل المهاجرين العرب الذين برعوا في التجارة، كما برع مثقفو العرب ليؤسسوا فيما بعد ما يسمى أدب المهجر، وهو ما خلّد المتبقي في ذاكرتنا عن هذه الدول.
يملك العرب واللاتين الأرضية التي يمكن أن ينطلقوا منها بشكل يؤهلهم عن باقي نظرائهم من الدول الأخرى، وإذا عرف العرب ماذا يريدون من هذه الدول فإنهم يختصرون جهداً ووقتاً كبيرين، فعلى سبيل المثال عرفت الصين ما تريد من قارة أميركا الجنوبية، فبكين دولة صناعية بحاجة دائمة للمواد الأولية وهو شيء متوفر بكثرة وغزارة في تلك الدول، فأقبلت على كل المستويات تسهم وتدعم التنمية في هذه الدول، ويكفي أن الرئيس الصيني خص هذه القارة بزيارتين في أقل من عامين، ويكفي أن نعرف بأن بكين ضخت 250 مليار دولار في هذه القارة، وهو أمرٌ يرهق واشنطن التي ترى في القارة اللاتينية حديقة خلفية تمارس فيها نفوذها وتأثيرها.
أميركا الجنوبية رقم مهم في المدى المتوسط والبعيد فلا يمكن تجاهل الصعود والاهتمام الدولي بها، ولا يمكن الانصراف عنها أو رهن علاقاتنا معها لظروف الأزمات؛ بل يجب جعلها علاقات استراتيجية تحتكم إلى معايير القوة والمصلحة.
بقدر ما يجهل الرأي العام العربي أميركا الجنوبية ثقافياً وسياسياً، فإن هذا الغموض وعدم المعرفة بالقضايا العربية موجود أيضاً لدى الرأي العام اللاتيني، وحتى على مستوى بعض النخب السياسية التي وقعت تحت تأثير بعض أفكار الدول الإقليمية التي سوّقت مفاهيمها وقناعتها وفلسفتها السياسية ورؤيتها لقضايا المنطقة، وهو أمر يفقدنا المتبقي من حالة التعاطف اللاتينية التي نتغنى بها.
التعليقات