نديم قطيش
مرعب أن يكتشف زعيم في لبنان بحجم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن المجتمع اللبناني هش، وأن يقدم ذلك لجمهوره وناسه من أهل الدم، بوصفه لقيا عثر عليها.
أتخيل كل الصراخ والدماء والتهديم الذي حصل في مواجهة عبارة «قوة لبنان في ضعفه» والمحاولات اليائسة لإثبات العكس، قبل أن يولد حزب الله، بل قبل أن تكون في إيران ثورة تصدر أحزابًا باسم الله. وضعف لبنان هو تمامًا في ضعف مجتمعه الذي سرعان ما يتشظى قبل أن تسمح طوائفه بانقلابات عليها تتيح لواحدة التحكم في الآخرين. حتى في عز الوصاية السورية على لبنان، لم تنجح كل أوهام القوة في «تنقية» لبنان من الخطاب المسيحي الذي هُزم في الحرب الأهلية وظلت الكنيسة تعبر عن ثوابته في وضح النهار.
مرعب اكتشاف نصر الله، لكنه غير مفاجئ. كنت وما زلت من الذين يؤمنون بأن نصر الله لا يعرف البلد. هو ككل العقائديين الكبار، وهو عقائدي صادق في ما يؤمن به، تلتبس عليه الحدود بين الشيء والفكرة عنه، لا سيما حين يتصل الأمر بالمجتمع، هذا الكائن العجيب الذي يمتحن كل الأفكار ويرميها ويعيد تدويرها ثم يرميها ثم يبتكر نقيضها ثم.. ثم.. ثم!!
قبل نصر الله، التبس الأمر على اليسار اللبناني بزعامة كمال جنبلاط، وكانت الأخطاء والخطايا بحق البلد، والتي دفعنا وندفع أثمانها إلى يومنا هذا.
لو أدرك نصر الله مبكرًا هشاشة المجتمع اللبناني، لما بالغ في أوهام الاستقواء على الآخرين، ولا أوهام تقوية بعضهم على بعض في لعبة استقطاب سياسي ومجتمعي ومذهبي من أخطر ما واجهه لبنان.
لو أدرك لما كان مضطرًا للرجوع عن توصيف جريمة السابع من مايو (أيار) بـ«اليوم المجيد» الذي أريد له أن يعيد صياغة لبنان، وتقزيمه إلى مجرد «رد فعل» وإجراء حمائي.. ولما كان تورط بعد هذا اليوم، وقبله، بإحاطة نفسه بالشبهة حيال كل دم أريق منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، وصولاً إلى الوزير محمد شطح.
لو أدرك نصر الله مبكرًا هشاشة المجتمع اللبناني لما زينت له قوته أن المجتمع يدار بعقلية «تعيين» الرئيس نجيب ميقاتي رئيسًا للحكومة بعد «طرد» الرئيس سعد الحريري، أو بتقوية الجنرال ميشال عون إلى حدود تصريحه بأنه قطع لزعيم لبناني «وان واي تيكيت»، تذكرة ذهاب بلا عودة.
لا غرابة في أن يكون الاثنان، نصر الله وعون، من الجائز الافتراض أنهما لا يعرفان لبنان ولا يعرفان مجتمعه، أو في الحد الأدنى يتقاطعان عند جهل الأول وتجاهل الثاني.
ولا غرابة أن يلوذا بعد كل ما حصل بحجر زاوية وحيد، هو سعد رفيق الحريري، يقيهم شرور الانهيارات المجتمعية والسياسية والمؤسساتية الحاصلة اليوم.
بعد سنوات من اتهام السنة بلبنان بأنهم ممن هضموا حقوق المسيحيين وتطاولوا على مواقعهم ومكتسباتهم، وبعد دعايات سياسية لا حصر لها تقوم على نظرية استحواذ السنة على صلاحيات المسيحيين، ها هم قادة الموارنة يخوضون معركة داحس والغبراء مع الزعيم الشيعي نبيه بري، لوضع بند على جدول أعمال مجلس النواب.. ويفشلون. ثم لا تخرج تسوية حفظ ماء الوجه، الشيعي والماروني، إلا من عند سعد الحريري، الذي تنازل لحساب التسوية.
في سياق مشابه، وبعد سنوات من اتهام السنة وزعامتهم الرئيسية بأنهم يعملون في خدمة المشروع الأميركي والصهيوني (ثم يتهمون إسرائيل باغتيال الحريري!!)، ها هو زعيم الشيعة في لبنان يلوذ بالدولة، ويناشد من اتهمهم بالأمس ألا يرفعوا الغطاء عنه إذا ما تعرض لضربة إسرائيلية، بعد أن أجاد في قراءة بيان اللقاء بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو.
قرأها بشكل صحيح حسن نصر الله، تلك المساواة في واشنطن بين حزب الله و«داعش». وقرأ بأدق منها رسالة غارات الطائرات الإسرائيلية على أهداف لحزب الله في محيط مطار دمشق بعد لقاء واشنطن. فهو يعرف من يقاتل «داعش»، ويعرف من سيوكل إليه قتال حزب الله، ويعرف أكثر أن كل أوهام القوة لا تحميه إن لم يحمه البلد.
المتهِمون هم صناع الأزمات. والمتهَمون هم ولاّدو التسويات والحلول. هذه واحدة من مآسي السياسة في لبنان!
المفارقة أن نصر الله حين يخاطب ويتوعد ويهدد إنما يتحدث لجمهور له عند الأمين العام دماء أبنائه وآبائهم. وحين يرغي ويزبد الجنرال ميشال عون إنما يفعل ذلك أمام جمهور له عند الزعيم الماروني أرزاق دُمرت وأوطان تُركت نتيجة حروب الغايات والأهواء.
أما حين يتنازل سعد الحريري ويبتكر التسويات فهو يخاطب بلادًا له عندها دم أبيه!
&
التعليقات